للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانوا فلاحة فنزعوا إلى عكرهم فأجموا ما كانوا فيه «١» من النعمة وطلبت أنفسهم الشقاء عَلى طَعامٍ واحِدٍ أرادوا ما رزقوا في التيه من المنّ والسلوى. فإن قلت: هما طعامان فما لهم قالوا على طعام واحد؟ قلت: أرادوا بالواحد ما لا يختلف ولا يتبدّل، ولو كان على مائدة الرجل ألوان عدّة يداوم عليها كل يوم لا يبدّلها، قيل: لا يأكل فلان إلا طعاما واحدا يراد بالوحدة نفى التبدّل والاختلاف. ويجوز أن يريدوا أنهما ضرب واحد، لأنهما معاً من طعام أهل التلذذ والتترف، ونحن قوم فلاحة أهل زراعات، فما نريد إلا ما ألفناه وضرينا به من الأشياء المتفاوتة كالحبوب والبقول ونحو ذلك. ومعنى يُخْرِجْ لَنا يظهر لنا ويوجد والبقل ما أنبتته الأرض من الخضر. والمراد به أطايب البقول التي يأكلها الناس كالنعناع والكرفس والكراث وأشباهها. وقرئ (وقثائها) بالضم. والفوم: الحنطة. ومنه فوّموا لنا، أى:

اخبزوا. وقيل الثوم. ويدل عليه قراءة ابن مسعود: وثومها، وهو للعدس والبصل أوفق الَّذِي هُوَ أَدْنى الذي هو أقرب منزلة وأدون مقداراً، والدنو والقرب يعبر بهما عن قلة المقدار فيقال: هو دانى المحل وقريب المنزلة، كما يعبر بالبعد عن عكس ذلك فيقال: هو بعيد المحل وبعيد الهمة يريدون الرفعة والعلو. وقرأ زهير الفرقبي: أدنأ بالهمزة من الدناءة اهْبِطُوا مِصْراً وقرئ اهبطوا، بالضم: أى انحدروا إليه من التيه. يقال: هبط الوادي إذا نزل به، وهبط منه، إذا خرج. وبلاد التيه: ما بين بيت المقدس إلى قنسرين، وهي اثنا عشر فرسخا في ثمانية فراسخ. ويحتمل أن يريد العلم وإنما صرفه مع اجتماع السببين فيه وهما التعريف والتأنيث، لسكون وسطه كقوله: ونوحا ولوطا. وفيهما العجمة والتعريف، وإن أريد به البلد فما فيه إلا سبب واحد، وأن يريد مصراً من الأمصار. وفي مصحف عبد اللَّه وقرأ به الأعمش: اهبطوا مصر- بغير تنوين- كقوله: ادخلوا مصر. وقيل هو «مصرائيم» فعرّب وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم، فهم فيها كما يكون في القبة من ضربت عليه. أو ألصقت بهم حتى لزمتهم ضربة لازب، كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه،


(١) . قوله «فأجموا ما كانوا فيه» أى كرهوا. أفاده الصحاح. (ع)