للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه. ومنه بيت زهير:

وعادك أن تلاقيها عداء «١»

فيتعدى إلى مفعولين. ووجه ثالث حسن: وهو أن يكون سَنُعِيدُها مستقلا بنفسه غير متعلق بسيرتها، بمعنى أنها أنشئت أوّل ما أنشئت عصا، ثم ذهبت وبطلت بالقلب حية، فسنعيدها بعد ذهابها كما أنشأناها أوّلا. ونصب سيرتها بفعل مضمر، أى: تسير سيرتها الأولى: يعنى سنعيدها سائرة سيرتها الأولى حيث كنت تتوكأ عليها ولك فيها المآرب التي عرفتها.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]

وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣)

قيل لكل ناحيتين: جناحان، كجناحى العسكر لمجنبتيه، وجناحا الإنسان: جنباه، والأصل المستعار منه جناحا الطائر. سميا جناحين لأنه يجنحهما عند الطيران. والمراد إلى جنبك تحت العضد، دل على ذلك قوله تَخْرُجْ. السوء: الرداءة والقبح في كل شيء، فكنى به عن البرص كما كنى عن العورة بالسوأة، وكان جذيمة صاحب الزباء «٢» أبرص فكنوا عنه بالأبرش «٣» والبرص أبغض شيء إلى العرب، وبهم عنه نفرة عظيمة، وأسماعهم لاسمه مجاجة، فكان جديرا بأن يكنى عنه، ولا نرى أحسن ولا ألطف ولا أحز للمفاصل من كنايات القرآن وآدابه.

يروى أنه كان آدم فأخرج يده من مدرعته بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس يعشى البصر.

بَيْضاءَ وآيَةً حالان معا. ومِنْ غَيْرِ سُوءٍ من صلة لبيضاء، كما تقول ابيضت من غير سوء، وفي نصب آيَةً وجه آخر، وهو أن يكون بإضمار نحو: خذ، ودونك، وما أشبه


(١) .
فصرم حبلها إذ صرمته … وعادك أن تلاقيها عداء
لزهير. أى: اقطع مودتها حيث قطعت مودتك، شبه المودة بالحبل على طريق الاستعارة التصريحية، والتصريم ترشيح وتقوية للتشبيه. وعادك: يحتمل أنه من عاد إذا رجع، فالمعنى: رجعك وردك، يحتمل أنه مقلوب من عداه إذا صرفه، كما في «ناء» مقلوب «نأى» فالمعنى صرفك. قال أبو عمير: وعادك بمعنى شغلك. وقال الأصمعى:
بمعنى: عاد إليك، وبمعنى صرفك. ومن المعلوم أن الفعل إذا كان لازما تعدى بالهمزة إلى المفعول قياسا، وإذا تعدى بنفسه إلى مفعول واحد تعدى بدخول الهمزة عليه إلى مفعولين. واختلف هل هو قياس أو سماعي؟
وأعاد منه، فيجري فيه ما ذكر. وأما تعديته إلى أن تلاقيها أيضا فهو بإسقاط الخافض توسعا. والعداء: الشغل أو البعد: ويطلق على الجور، من عدا عليه. قال الجوهري: العداء- بالفتح- الظلم، ويجوز كسره بمعنى المانع، لأن العداء هو ما يعدى به أى يصرف به. كاللواذ لما يلاذ به. والرباط لما يربط به. والمعنى: اقطع مودتها حيث قطعت مودتك. وصرفك عن ملاقاتها صارف عظيم، ونسبة الصرف إليه مجاز عقلى من قبيل الاسناد إلى السبب أو الآلة.
ويحتمل أن أصله «عدا» بالكسر والقصر جمع عدو. فمد للضرورة، أى: منعك الأعداء عن لقائها فالاسناد حقيقى
(٢) . قوله «وكان جذيمة صاحب الزباء» جذيمة ملك الحيرة والزباء ملكة الجزيرة كذا في الصحاح. (ع)
(٣) . قوله «فكنوا عنه بالأبرش» في الصحاح البرش في الفرس نقط صغار تخالف سائر لونه والفرس أبرش. (ع)