للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهي إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ مجرى البيان والتفسير لأنّ دعوى الرسالة لا تثبت إلا ببينتها التي هي المجيء بالآية، إنما وحد قوله بِآيَةٍ ولم يثن ومعه آيتان، لأنّ المراد في هذا الموضع تثبيت الدعوى ببرهانها، فكأنه قال: قد جئناك بمعجزة وبرهان وحجة على ما ادعيناه من الرسالة، وكذلك قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ يريد: وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين، وتوبيخ خزنة النار والعذاب على المكذبين.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٤٩ الى ٥٠]

قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠)

خاطب الاثنين، ووجه النداء إلى أحدهما وهو موسى، لأنه الأصل في النبوة، وهرون وزيره وتابعه. ويحتمل أن يحمله خبثه ودعارته «١» على استدعاء كلام موسى دون كلام أخيه، لما عرف من فصاحة هرون والرتة في لسان موسى. ويدل عليه قوله أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ. خَلْقَهُ أول مفعولي أعطى، أى: أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به. أو ثانيهما، أى: أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به، كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع، وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان: كل واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة، غير ناب عنه. أو أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة، حيث جعل الحصان والحجر «٢» زوجين، والبعير والناقة، والرجل والمرأة، فلم يزاوج منها شيئا غير جنسه وما هو على خلاف خلقه. وقرئ: خلقه، صفة للمضاف أو للمضاف إليه، أى: كل شيء خلقه الله لم يخله من عطائه وإنعامه ثُمَّ هَدى أى عرّف كيف يرتفق بما أعطى، وكيف يتوصل إليه. ولله درّ هذا الجواب ما أخصره وما أجمعه، وما أبينه لمن ألقى الذهن ونظر بعين الإنصاف وكان طالبا للحق.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٥١ الى ٥٤]

قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤)


(١) . قوله «يحمله خبثه ودعارته» أى فساده وفسقه. (ع)
(٢) . قوله «والحجر» بكسر الحاء وسكون الجيم: الأنثى من الخيلى: اه مصححه. [.....]