للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكذب الآيات وأبى قبول الحق.

[[سورة طه (٢٠) : آية ٥٧]]

قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧)

يلوح من جيب قوله أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ أن فرائصه كانت ترعد خوفا مما جاء به موسى عليه السلام، لعلمه وإيقانه أنه على الحق، وأن المحق لو أراد قود الجبال لانقادت وأن مثله لا يخذل ولا يقل ناصره، وأنه غالبه على ملكه لا محالة. وقوله بِسِحْرِكَ تعلل وتحير وإلا فكيف يخفى عليه أن ساحرا لا يقدر أن يخرج ملكا مثله من أرضه ويغلبه على ملكه بالسحر.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٥٨ الى ٦٠]

فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠)

لا يخلو الموعد في قوله فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً من أن يجعل زمانا أو مكانا أو مصدرا. فإن جعلته زمانا نظرا في أن قوله تعالى مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ مطابق له، لزمك شيئان أن تجعل الزمان مخلفا، وأن يعضل عليك ناصب مكانا: وإن جعلته مكانا لقوله تعالى مَكاناً سُوىً لزمك «١» . أيضا أن توقع الإخلاف على المكان، وأن لا يطابق قوله مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ


(١) . قال محمود: «إن جعلت موعدا الأول اسم مكان ليطابق قوله مكانا سوى لزمك … الخ» قال أحمد:
وفي إعماله وقد وصف بقوله لا نُخْلِفُهُ بعد، إلا أن تجعل الجملة معترضة، فهو مع ذلك لا يخلو من بعد، من حيث أن وقوع الجملة عقيب النكرة بحيزها، الشأن أن تكون صفة، والله أعلم. ويحتمل عندي وجه آخر أخصر وأسلم، وهو أن يجعل موعدا اسم مكان فيطابق مكانا، ويكون بدلا منه، ويطابق الجواب بالزمان بالتقرير الذي ذكره، ويبقى عود الضمير، فنقول: هو والحالة هذه عائد على المصدر المفهوم من اسم المكان، لأن حروفه فيه. والموعد إذا كان اسم مكان فحاصله مكان وعد، كما إذا كان اسم زمان فحاصله زمان وعد. وإذا جاز رجوع الضمير إلى ما دلت قوة الكلام عليه وإن لم يكن منطوقا به بوجه، فرجوعه إلى ما هو كالمنطوق به أولى. ومما يحقق ذلك أنهم قالوا: من صدق كان خيرا له. يعنون: كان الصدق خيرا له، فأعادوا الضمير على المصدر وقدروه منطوقا به للنطق بالفعل الذي هو مشتق منه. وإذا أوضح ذلك فاسم المكان مشتق من المصدر اشتقاق الفعل منه، فالنطق به كاف في إعادة الضمير على مصدره والله أعلم. وعلى هذين التأويلين يكون جواب موسى عليه السلام من جوامع كلم الأنبياء لأنه سئل أن يواعدهم مكانا فعلم أنهم لا بد أن يسألوه مواعدة على زمان أيضا، فأسلف الجواب عنه وضمنها جوابا مفردا، ولقائل أن يقول: إن كان المسئول منه المواعدة على المكان فلم أجاب بالزمان الذي لم يسئل عنه صريحا، وجعل جواب ما سئل عنه مضمنا. وجوابه- والله أعلم- أن يقال اكتفى بقرينة السؤال عن صريح الجواب. وأما ما لم يسئل عنه فلو ضمنه لم يفهم قصده إليه، إذ لا قرينة تدل عليه والله أعلم.