للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقدرته من أن يقع على الأرض ويتزلزل «١» ، أو بالشهب عن تسمع الشياطين على سكانه من الملائكة عَنْ آياتِها أى عما وضع الله فيها من الأدلة والعبر بالشمس «٢» والقمر وسائر النيرات، ومسايرها وطلوعها وغروبها، على الحساب القويم والترتيب العجيب، الدال على الحكمة البالغة والقدرة الباهرة، وأىّ جهل أعظم من جهل من أعرض عنها ولم يذهب به وهمه إلى تدبرها، والاعتبار بها، والاستدلال على عظمة شأن من أوجدها عن عدم، ودبرها ونصبها هذه النصبة، وأودعها ما أودعها مما لا يعرف كنهه إلا هو عزت قدرته ولطف علمه. وقرئ عن آيتها، على التوحيد، اكتفاء بالواحدة في الدلالة على الجنس أى: هم متفطنون لما يرد عليهم من السماء من المنافع الدنيوية، كالاستضاءة بقمريها، والاهتداء بكواكبها، وحياة الأرض والحيوان بأمطارها، وهم عن كونها آية بينة على الخالق مُعْرِضُونَ.

[[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٣٣]]

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣)

كُلٌّ التنوين فيه عوض من المضاف إليه، أى: كلهم فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ والضمير للشمس والقمر، والمراد بهما جنس الطوالع كل يوم وليلة، جعلوها متكاثرة لتكاثر مطالعها وهو السبب في جمعهما بالشموس والأقمار، وإلا فالشمس واحدة والقمر واحد، وإنما جعل الضمير واو العقلاء للوصف بفعلهم وهو السباحة. فإن قلت: الجملة ما محلها؟ قلت: محلها النصب على الحال من الشمس والقمر. فإن قلت: كيف استبدّ بهما دون الليل والنهار بنصب الحال عنهما؟ قلت: كما تقول: رأيت زيدا وهندا متبرجة ونحو ذلك، إذا جئت بصفة يختص بها بعض ما تعلق به العامل. ومنه قوله تعالى في هذه السورة وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً أو لا محل لها لاستئنافها. فإن قلت: لكل واحد من القمرين فلك على حدة، فكيف قيل:

جميعهم يسبحون في فلك؟ قلت: هذا كقولهم «كساهم الأمير حلة وقلدهم سيفا» أى كل واحد منهم، أو كساهم وقلدهم هذين الجنسين، فاكتفى بما يدل على الجنس اختصارا، ولأنّ الغرض الدلالة على الجنس.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٣٤ الى ٣٥]

وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥)

كانوا يقدّرون أنه سيموت فيشمتون بموته، فنفى الله تعالى عنه الشماتة بهذا، أى: قضى الله


(١) . قوله «ويتزلزل» لعله: أو يتزلزل. (ع)
(٢) . قوله «والعبر بالشمس» لعله «كالشمس … الخ» كعبارة النسفي. (ع)