للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٠١ الى ١٠٣]

إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣)

الْحُسْنى الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن: إمّا السعادة، وإما البشرى بالثواب وإما التوفيق للطاعة. يروى أنّ عليا رضى الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال: أنا منهم، وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف، ثم أقيمت الصلاة فقام يجرّ رداءه وهو يقول لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها «١» والحسيس: الصوت يحس، والشهوة: طلب النفس اللذة. وقرئ لا يَحْزُنُهُمُ من أحزن. والْفَزَعُ الْأَكْبَرُ قيل: النفخة الأخيرة، لقوله تعالى يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وعن الحسن: الانصراف إلى النار.

وعن الضحاك: حين يطبق على النار. وقيل: حين يذبح الموت على صورة كبش أملح، أى تستقبلهم الْمَلائِكَةُ مهنئين على أبواب الجنة. ويقولون: هذا وقت ثوابكم الذي وعدكم ربكم قد حلّ.

[[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٠٤]]

يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤)

العامل في يَوْمَ نَطْوِي لا يحزنهم. أو الفزع. أو تتلقاهم. وقرئ: تطوى السماء، على البناء للمفعول السِّجِلِّ بوزن العتلّ «٢» والسجل بلفظ الدلو. وروى فيه الكسر: وهو الصحيفة، أى: كما يطوى الطومار للكتابة، أى: ليكتب فيه، أو: لما يكتب فيه، لأن الكتاب أصله المصدر كالبناء، ثم يوقع على المكتوب، ومن جمع فمعناه: للمكتوبات، أى: لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة. وقيل السِّجِلِّ ملك يطوى كتب بنى آدم إذا رفعت إليه. وقيل: كاتب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والكتاب- على هذا- اسم الصحيفة المكتوب فيها أَوَّلَ خَلْقٍ مفعول نعيد الذي يفسره نُعِيدُهُ والكاف مكفوفة بما. والمعنى: نعيد أوّل الخلق كما بدأناه، تشبيها للإعادة بالإبداء في تناول القدرة لهما على السواء، فإن قلت: وما أوّل الخلق حتى يعيده كما بدأه؟ قلت: أوّله إيجاده عن العدم، فكما أوجده أولا عن عدم، يعيده ثانيا عن عدم «٣» . فإن قلت: ما بال خَلْقٍ


(١) . أخرجه ابن أبى حاتم وابن عدى وابن مردويه والثعلبي من رواية ليث بن أبى سليم عن ابن عم النعمان بن بشير. وكان من سمار على قال: تلا على هذه الآية- فذكره
(٢) . قوله «بوزن العتل» العتل: الغليظ الجافي. وقال تعالى عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ والعتل أيضا: الرمح الغليظ.
ورجل عتل- بالكسر-: بين العتل، كذا في الصحاح. (ع)
(٣) . قال محمود: «إن قلت ما أول الخلق حتى يعيده كما بدأه؟ قلت: أول الخلق إيجاده عن العدم، فكما أوجده أولا عن عدم يعيده ثانيا عن عدم» قلت: هذا الذي ذكره هاهنا في المعاد قد عاد به إلى الحق ورجع عما قاله في سورة مريم، حيث فسر الاعادة بجمع المتفرق خاصة، إلا أنه كدر صفو اعترافه بالحق بتفسيره قوله إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ بالقدرة على الفعل، ولا يلزم على هذا من القدرة على الفعل حصوله، تحويما على أن الموعود به ليس إعادة الأجسام عن عدم وإن كانت القدرة صالحة لذلك، ولكن إعادة الأجزاء على صورها مجتمعة مؤتلفة على ما تقدم له في سورة مريم، إلا أن يكون الباعث له على تفسير الفعل بالقدرة: أن الله ذكر ماضيا والاعادة وقوعها مستقبل، فتعين عنده من ثم حمل الفعل على القدرة فقد قارب، ومع ذلك فالحق بقاء الفعل على ظاهره لأن الأفعال المستقبلة التي علم الله وقوعها، كالماضية في التحقيق، فمن ثم عبر عن المستقبل بالماضي في مواضع كثيرة من الكتاب العزيز.
والغرض الإيذان بتحقيق وقوعه، والله أعلم.