للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تَعْبُدُونَ إخبار في معنى النهى «١» ، كما تقول: تذهب إلى فلان تقول له كذا، تريد الأمر، وهو أبلغ من صريح الأمر والنهى، لأنه كأنه سورع إلى الامتثال والانتهاء، فهو يخبر عنه وتنصره قراءة عبد اللَّه وأبىّ (لا تعبدوا) ولا بدّ من إرادة القول، ويدل عليه أيضا قوله: (وَقُولُوا) .

وقوله وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إما أن يقدّر: وتحسنون بالوالدين إحسانا. أو وأحسنوا. وقيل:

هو جواب قوله: (أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) «٢» إجراء له مجرى القسم، كأنه قيل: وإذ أقسمنا عليهم لا تعبدون. وقيل: معناه أن لا تعبدوا، فلما حذفت «أن» رفع، كقوله:

أَلَا أَيُّهذَا الزّاجِرِى أَحْضُرَ الوَغَى «٣»

ويدل عليه قراءة عبد اللَّه (أن لا تعبدوا) ويحتمل (أن لا تعبدوا) أن تكون «إن» فيه مفسرة، وأن تكون أن مع الفعل بدلا عن الميثاق، كأنه قيل: أخذنا ميثاق بنى إسرائيل توحيدهم وقرئ بالتاء حكاية لما خوطبوا به، وبالياء لأنهم غيب. حُسْناً قولا هو حسن في نفسه «٤» لإفراط حسنه. وقرئ حسنا. وحسنى- على المصدر- كبشرى. ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ على طريقه الالتفات أى توليتم عن الميثاق ورفضتموه. إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ قيل: هم الذين أسلموا منهم وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ وأنتم قوم عادتكم الإعراض عن المواثيق، والتولية.


(١) . قال محمود رحمه اللَّه تعالى: «لا تعبدون إخبار في معنى النهى … الخ» قال أحمد رحمه اللَّه: وجه الدليل منه أن الأول لو لم يكن في معنى النهى لما حسن عطف الأمر عليه، لما بين الأمر والخبر المحض من التنافر. ولا كذلك الأمر والنهى لالتقائهما في معنى الطلب.
(٢) . قال محمود رحمه اللَّه: «وقيل هو جواب قوله: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) … الخ» . قال أحمد رحمه اللَّه: لو قدر القسم مضافا إلى المذكورين لكان أوجه، فيقول (وإذ أقسمتم لا تعبدون إلا اللَّه … الخ)
(٣) .
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى … وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى
لطرفة بن العبد من معلقته. وألا أداة استفتاح. وحرف النداء محذوف. وأى منادى. واسم الاشارة نعت له.
والزاجر نعت لاسم الاشارة مضاف لياء المتكلم إضافة الوصف لمفعوله. وروى بدله «اللائمي» : وروى «أحضر» منصوبا بإضمار أن، ومرفوعا على إهمالها وحسن حذفها ذكرها فيما بعد. يقول: يا أيها الزاجر لي عن حضور الحرب وشهود لذات النصر والظفر والغنيمة، أو شهود لذات الشراب ومغازلة النساء المستدعين لاتلاف المال، لست مخلداً لي لو طاوعتك. فالاستفهام إنكارى.
(٤) . قال محمود: «أى قولا هو حسن في نفسه … الخ» . قال أحمد: وفيه من التأكيد والتخصيص على إحسان مناولة الناس، أنه وضع الصدر فيه موضع الاسم. وهذا إنما يستعمل للمبالغة في تأكيد الوصف، كرجل عدل، وصوم وفطر. وقرئ حسنا فهو على هذا من الصفات المشبهة.