للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أى بالفداء وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ أى بالقتال والإجلاء. وذلك أنّ قريظة كانوا حلفاء الأوس، والنضير كانوا خلفاء الخزرج، فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه، وإذا غلبوا خربوا ديارهم وأخرجوهم، وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه. فعيرتهم العرب وقالت كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم، فيقولون: أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم، ولكنا نستحيى أن نذل حلفاءنا. والخزي: قتل بنى قريظة وأسرهم وإجلاء بنى النضير. وقيل الجزية.

وإنما ردّ من فعل منهم ذلك إلى أشد العذاب، لأن عصيانه أشدّ. وقرئ: يردّون، ويعملون- بالياء والتاء- فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ عذاب الدنيا بنقصان الجزية، ولا ينصرهم أحد بالدفع عنهم. وكذلك عذاب الآخرة.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٧ الى ٨٩]

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨) وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩)

الْكِتابَ التوراة، آتاه إياها جملة واحدة. ويقال: قفاه إذا أتبعه من القفا. نحو ذنبه، من الذنب. وقفاه به: أتبعه إياه، يعنى: وأرسلنا على أثره الكثير من الرسل، كقوله تعالى: (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) وهم يوشع وأشمويل وشمعون وداود وسليمان وشعيا وأرميا وعزير وحزقيل وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى وغيرهم. وقيل (عِيسَى) بالسريانية أيشوع. و (مَرْيَمَ) بمعنى الخادم. وقيل: المريم بالعربية من النساء، كالزير من الرجال «١» . وبه فسر قول رؤبة:

قُلْتُ لِزَيْرٍ لَمْ تَصِلْهُ مَرْيَمُهْ «٢»


(١) . قوله «كالزير من الرجال» في الصحاح: هو الذي يحب محادثة النساء ومجالستهن. (ع)
(٢) .
قلت لزير لم تصله مريمه … ضليل أهواء الصبا تندمه
لرؤبة بن العجاج يعاتب أبا جعفر الدوانيقي على البطالة ومغازلة النساء. سمى بذلك لأنه زاد في الخراج دوانق أيام خلافته، كذا في الكشف. والزير من يكثر مودة النساء وزيارتهن. والمريم: من تكثر مودة الرجال وزيارتهم.
قال أبو عمرو: من رام بريم، ومعناه بقي أو ذهب. وريمت السحابة تريما: دامت، لدوامها على المودة، أو لخروجها من بيتها. والضليل كثير الضلال. والصبا: الميل إلى الجهل والفتوة. وتندمه: بمعنى ندمه، فهر مصدر مرفوع فاعل ضليل. ولعل معناه أن ندمه ضال ضائع في أهواء الصبا. ويروى «مندمه» بصيغة اسم الفاعل. وضليل:
مرفوع على الابتداء، ومندمه خبره. ولعل معناه أن الرجل كثير الضلال يعنى نفسه هو الذي يندمه ويجعله نادما، أى يأمره بالندم. وقال عبد الحكيم على البيضاوي نقلا عن الكشف: أى قلت له من كثر ضلاله يكون مندم نفسه وموقعها في الندامة. واللام في قوله لزير للتعليل أى قلت ذلك القول لأجله، هذا توجيه ما قيل فيه. ولو جعلت ضليل صفة زير كالوجه الأول، وتندمه فعل أمر مقول القول، حرك بالضم لالتقائه ساكناً مع هاء السكت ولمناسبة القافية لجاز: أى قلت له تندم وتب، لكن فيه تكلف شاذ.