للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووزن «مريم» عند النحويين «مفعل» لأن فعيلا بفتح الفاء لم يثبت في الأبنية كما ثبت نحو عثير وعليب «١» الْبَيِّناتِ المعجزات الواضحات والحجج، كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والإخبار بالمغيبات. وقرئ: وآيدناه. ومنه: آجده بالجيم «٢» إذا قوّاه. يقال: الحمد للَّه الذي آجدنى بعد ضعف، وأوجدنى بعد فقر. بِرُوحِ الْقُدُسِ بالروح المقدّسة، كما تقول: حاتم الجود، ورجل صدق. ووصفها بالقدس كما قال: (وَرُوحٌ مِنْهُ) فوصفه بالاختصاص والتقريب للكرامة. وقيل: لأنه لم تضمه الأصلاب، ولا أرحام الطوامث. وقيل بجبريل. وقيل بالإنجيل كما قال في القرآن: (رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) وقيل باسم اللَّه الأعظم الذي كان يحيى الموتى بذكره.

والمعنى: ولقد آتينا يا بنى إسرائيل أنبياءكم ما آتيناهم أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ منهم بالحق اسْتَكْبَرْتُمْ عن الإيمان به، فوسط بين الفاء وما تعلقت به همزة التوبيخ والتعجيب من شأنهم. ويجوز أن يريد: ولقد آتيناهم ما آتيناهم ففعلتم ما فعلتم. ثم وبخهم على ذلك. ودخول الفاء لعطفه على المقدّر.

فإن قلت: هلا قيل وفريقا قتلتم؟ «٣» . قلت: هو على وجهين: أن تراد الحال الماضية، «٤» لأنّ الأمر فظيع فأريد استحضاره في النفوس وتصويره في القلوب، وأن يراد: وفريقا تقتلونهم بعد لأنكم تحومون حول قتل محمد صلى اللَّه عليه وسلم لولا أنى أعصمه منكم. ولذلك سحرتموه وسممتم


(١) . قوله «عثير وعليب» العثير: الغبار. وعليب: اسم واد. (ع)
(٢) . قوله «ومنه آجده بالجيم» وأصله ما يقال: ناقة أجد، أى قوية موثقة الخلق أفاده الصحاح. (ع)
(٣) . قال محمود رحمه اللَّه: «إن قلت هلا قيل وفريقاً قتلتم … الخ» قال أحمد رحمه اللَّه: والتعبير بالمضارع يفيد ذلك دون الماضي، كقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) فعبر بالماضي ثم قال: فتصبح الأرض مخضرة، فعدل عنه إلى المضارع إرادة لتصوير اخضرارها في النفس. وعليه قوله ابن معديكرب يصور شجاعته وجرأته:
فانى قد لقيت القرن أسعى … بسهب كالصحيفة صحصحان
فآخذه فأضربه فيهوى … صريعا لليدين وللجران
(٤) . قوله «أن تراد الحال الماضية» لعله: أن تراد حكاية الحال. (ع)