للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سمع به فلم تمجه أذناه، وعدة ألطاف للسامعين والتالين إلى يوم القيامة، وفوائد دينية، وأحكام وآداب لا تخفى على متأمليها.

[[سورة النور (٢٤) : آية ١٢]]

لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢)

بِأَنْفُسِهِمْ أى بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات، كقوله وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ «١» وذلك نحو ما يروى أن أبا أيوب الأنصارى قال لأم أيوب: ألا ترين ما يقال؟ فقالت:

لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوءا؟ قال: لا. قالت:

ولو كنت أنا بدل عائشة رضى الله عنها ما خنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعائشة خير منى، وصفوان خير منك «٢» . فإن قلت: هلا قيل: لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيرا وقلتم؟

ولم عدل عن الخطاب إلى الغيبة، وعن الضمير إلى الظاهر؟ قلت: ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات، وليصرح بلفظ الإيمان، دلالة على أن الاشتراك فيه مقتض أن لا يصدّق مؤمن على أخيه ولا مؤمنة على أختها قول غائب ولا طاعن. وفيه تنبيه على أن حق المؤمن إذا سمع قالة في أخيه، أن يبنى الأمر فيها على الظنّ لا على الشك. وأن يقول بملء فيه بناء على ظنه بالمؤمن الخير: هذا إِفْكٌ مُبِينٌ هكذا بلفظ المصرح ببراءة ساحته. كما يقول المستيقن المطلع على حقيقة الحال. وهذا من الأدب الحسن الذي قل القائم به والحافظ له، وليتك تجد من يسمع فيسكت ولا يشيع ما سمعه بأخوات.

[[سورة النور (٢٤) : آية ١٣]]

لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٣)


(١) . قال محمود: «معناه ظنوا بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات، كقوله تعالى: ولا تلمزوا أنفسكم» قال أحمد:
والسر في هذا التعبير: تعطيف المؤمن على أخيه وتوبيخه على أن يذكره بسوء، وتصوير ذلك بصورة من أخذ يقذف نفسه ويرميها بما ليس فيها من الفاحشة، ولا شيء أشنع من ذلك، والله أعلم.
(٢) . عاد كلامه. قال: ونقل أن أبا أيوب الأنصارى قال لامرأته: ألا ترين مقالة الناس؟ قالت له: لو كنت بدل صفوان أكنت تخون في حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوءا؟ قال: لا. قالت: ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنته، وصفوان خير منك وعائشة خير منى» قال أحمد: ولقد ألهمت بنور الايمان إلى هذا السر الذي انطوى عليه التعبير عن الغير من المؤمنين بالنفس، فإنها نزلت زوجها منزلة صفوان، ونفسها منزلة عائشة، ثم أثبتت لنفسها ولزوجها البراءة والأمانة، حتى أثبتتها لصفوان وعائشة بطريق الأولى رضى الله عنها. ويحتمل والله أعلم خلاف ما قاله الزمخشري: وهو أن يكون التعبير بالأنفس حقيقة، والمقصود إلزام سيئ الظن بنفسه، لأنه لم يعتد بوازع الايمان في حق غيره، وألغاه واعتبره في حق نفسه، وادعى لها البراءة قبل معرفته بحكم الهوى لا بحكم الهدى، والله أعلم.