للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأجاج: نقيضه، ومرجهما: خلاهما متجاورين متلاصقين، وهو بقدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمازج. وهذا من عظيم اقتداره. وفي كلام بعضهم: وبحران: أحدهما مع الآخر ممروج، وماء العذب منهما بالأجاج ممزوج «١» بَرْزَخاً حائلا من قدرته، كقوله تعالى بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها يريد بغير عمد مرئية، وهو قدرته. وقرئ: ملح، على فعل. وقيل: كأنه حذف من مالح تخفيفا، كما قال: وصليانا بردا، بريد: باردا: فإن قلت: وَحِجْراً مَحْجُوراً ما معناه؟

قلت: هي الكلمة التي يقولها المتعوذ، وقد فسرناها، وهي هاهنا واقعة على سبيل المجاز، كأن كل واحد من البحرين يتعوّذ من صاحبه ويقول له: حجرا محجورا، كما قال لا يَبْغِيانِ أى لا يبغى أحدهما على صاحبه بالممازجة، فانتفاء البغي ثمة كالتعوذ هاهنا: جعل كل واحد منهما في صورة الباغي على صاحبه، فهو يتعوّذ منه. وهي من أحسن الاستعارات وأشهدها على البلاغة.

[[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٥٤]]

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤)

أراد: فقسم البشر قسمين ذوى نسب، أى: ذكورا ينسب إليهم، فيقال: فلان بن فلان وفلانة بنت فلان، وذوات صهر: أى إناثا يصاهر بهنّ، ونحوه قوله تعالى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى. وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً حيث خلق من النطفة الواحدة بشرا نوعين: ذكرا وأنثى.

[[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٥٥]]

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥)

الظهير والمظاهر، كالعوين والمعاون. و «فعيل» بمعنى مفاعل غير عزيز. والمعنى: أنّ الكافر يظاهر الشيطان على ربه بالعداوة والشرك. روى أنها نزلت في أبى جهل، ويجوز أن يريد بالظهير: الجماعة، كقوله وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ كما جاء: الصديق والخليط، يريد بالكافر: الجنس، وأنّ بعضهم مظاهر لبعض على إطفاء نور دين الله. وقيل: معناه: وكان الذي يفعل هذا الفعل- وهو عبادة ما لا ينفع ولا يضر- على ربه هينا مهينا، من قولهم: ظهرت به، إذا خلفته خلف ظهرك لا تلتفت إليه، وهذا نحو قوله أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ.

[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٥٦ الى ٥٧]

وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧)


(١) . قوله «ممزوج» لعله: غير ممزوج، فليحرر. (ع)