للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَيَهْدِينِ طريق النجاة من إدراكهم وإضرارهم. وقرئ، فلما تراءت الفئتان. إنا لمدّركون: بتشديد الدال وكسر الراء، من ادّرك الشيء إذا تتابع ففنى. ومنه قوله تعالى بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ قال الحسن: جهلوا علم الاخرة. وفي معناه بيت الحماسة:

أبعد بنى أمّى الّذين تتابعوا … أرجّى الحياة أم من الموت أجزع «١»

والمعنى: إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم، حتى لا يبقى منا أحد. الفرق: الجزء المتفرّق منه.

وقرئ: كل فلق. والمعنى واحد. والطود: الجبل العظيم «٢» المنطاد في السماء وَأَزْلَفْنا ثَمَّ حيث انفلق البحر الْآخَرِينَ قوم فرعون، أى: قربناهم من بنى إسرائيل: أو أدنينا بعضهم من بعض، وجمعناهم حتى لا ينجو منهم أحد، أو قدمناهم إلى البحر. وقرئ: وأزلقنا، بالقاف، أى: أزللنا أقدامهم. والمعنى: أذهبنا عزهم، كقوله:

تداركتما عبسا وقد ثلّ عرشها … وذبيان إذ زلّت بأقدامها النّعل «٣»


(١) .
أبعد بى أمى الذين تتابعوا … أرجى حياة أم من الموت أجزع
ثمانية كانوا ذؤابة قومهم … بهم كنت أعطى ما أشاء وأمنع
أولئك إخوان الصفاء رزئتهم … وما الكف إلا أصبع ثم أصبع
لأبى الحناك البراء ربعي الفقعسي، والهمزة للاستفهام الإنكاري، والمراد التحسر والتحزن، وتتابعوا أى انقرضوا واحدا بعد واحد. أرحى: أى أرتجى حياة أم أجزع من الموت، أى: لا أفعل ذلك بعدهم وقال: بى أمى، لأن المقام مقام رقة ورحمة، فهم ثمانية كانوا رؤساء قومهم، كالذؤابة الرأس، وهي شعرها الذي يتحرك حولها، فهو تشبيه بليغ، ثم قال: كنت بهم أفعل ما أريد من الإعطاء والمنع. ويجوز بناء الفعلين للمجهول، فالمعنى: كنت بهم أنال ما أشاء وأكفى شر ما أشاء، ورزأته أصبته في ماله. ورزأته ماله. ورزأتهم: مبنى للمجهول، أى: نقصني الدهر إياهم وأخذهم منى، فلا قوة لي بعدهم، كما أن الكف إذا فقدت أصابعها بطلت قوتها، لأن بطشها ليس إلا بالأصابع منتظمة مرتبة، فهم لي كالأصابع للكف.
(٢) . قوله «والطود الجبل العظيم المنطاد في السماء» في الصحاح «طود في الجبال» : مثل طوف وطوح. والمطاود مثال المطاوح. (ع)
(٣) . لزهير يمدح هرم بن سنان والحارث بن عوف. وعبس وذبيان كلاهما اسم قبيلة. يقول: تداركتما هاتين القبيلتين بالصلح بينهما ودفع ديات قتلاهم، وقد ثل: أى هدم عرشها. وهذا تمثيل لذهاب عزهم وفناء دولتهم.
وزلت النعل بالقدم: زلقت عن مقرها، وهذا أيضا تمثيل لاختلال أمرهم وفساد رأيهم. وفي البيت شبه الطباق، حيث أن الأولى أتاها العذاب من فوق رءوسها، والثانية: أتاها من تحت أرجلها