للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما لا بأس به من المعاني التي لا يتلطخون فيها بذنب ولا يتلبسون بشائنة ولا منقصة، وكان هجاؤهم على سبيل الانتصار ممن يهجوهم. قال الله تعالى لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وذلك من غير اعتداء ولا زيادة على ما هو جواب لقوله تعالى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وعن عمرو بن عبيد: أن رجلا من العلوية قال له: إن صدري ليجيش بالشعر، فقال: فما يمنعك منه فيما لا بأس به؟ والقول فيه: أن الشعر باب من الكلام، فحسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام. وقيل: المراد بالمستثنين: عبد الله بن رواحة، وحسان ابن ثابت، والكعبان: كعب بن مالك، وكعب بن زهير، والذين كانوا ينافحون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكافحون هجاة قريش. وعن كعب بن مالك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «اهجهم، فو الذي نفسي بيده لهو أشدّ عليهم من النبل» «١» وكان يقول لحسان: «قل وروح القدس معك» «٢» . ختم السورة بآية ناطقة بما لا شيء أهيب منه وأهول، ولا أنكى لقلوب المتأمّلين ولا أصدع لأكباد المتدبرين، وذلك قوله وَسَيَعْلَمُ وما فيه من الوعيد البليغ، وقوله الَّذِينَ ظَلَمُوا وإطلاقه. وقوله أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ وإبهامه، وقد تلاها أبو بكر لعمر رضى الله عنهما حين عهد إليه «٣» : وكان السلف الصالح يتواعظون بها ويتناذرون شدّتها.

وتفسير الظلم بالكفر تعليل «٤» ، ولأن تخاف فتبلغ الأمن: خير من أن تأمن فتبلغ الخوف.

وقرأ ابن عباس: أى منفلت ينفلتون. ومعناها: إن الذين ظلموا يطمعون أن ينفلتوا من عذاب


(١) . أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن ملك عن أبيه قال «لما نزلت وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، ماذا ترى في الشعر؟ فقال:
إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه. والذي نفس محمد بيده لكأنما تنضحونهم بالنبل» قلت: وأخرجه من هذا الوجه وقال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا عبد الوهاب أخبرنا ابن عوف عن ابن سيرين «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن مالك: هيه: فأنشده. فقال: «لهو أشد عليهم من وقع النبل» ولمسلم عن عائشة مرفوعا «اهجوا قريشا فانه أشد عليها من رشق النبل» وللترمذي والنسائي من حديث ثابت عن أنس في أثناء حديث: فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «خل عنهم يا عمر، فلهو أسرع فيهم من نضح النبل» .
(٢) . متفق عليه من حديث البزار. ولفظ النسائي: قال لحسان: اهج المشركين، فان روح القدس معك» وللحاكم وابن مردويه من طريق مجالد عن الشعبي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم. قال يوم الأحزاب: «من يحمى أعراض المسلمين؟ فقال حسان: أنا. قال: فقم اهجهم، فان روح القدس سيعينك» .
(٣) . أخرجه ابن أبى حاتم من طريق محمد بن عبد الرحمن بن المحسر عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت «كتب أبى وصية فذكرها وفي آخرها: وإن تجر وتظلم فانى لا أعلم الغيب. وسيعلم الذين ظلموا- الآية» ورواه ابن سعد في الطبقات في ترجمة أبى بكر عن الواقدي بأسانيد متعددة مطولا.
(٤) . قوله «وتفسير الظلم بالكفر تعليل» لعله من علله بالشيء، أى: لهاء به، كما يعلل الصبى بشيء من الطعام يجتزأ به عن اللبن، كما في الصحاح. (ع)