للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله موسى واستنباؤه له وإظهار المعجزات عليه، وربّ خير يتجدّد في بعض البقاع، فينشر الله بركة ذلك الخير في أقاصيها، ويبث آثار يمنه في أباعدها، فكيف بمثل ذلك الأمر العظيم الذي جرى في تلك البقعة. وقيل: المراد بالمبارك فيهم: موسى والملائكة الحاضرون. والظاهر أنه عامّ في كل من كان في تلك الأرض وفي ذلك الوادي وحواليهما من أرض الشام، ولقد جعل الله أرض الشام بالبركات موسومة في قوله وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ وحقت أن تكون كذلك، فهي مبعث الأنبياء صلوات الله عليهم ومهبط الوحى إليهم وكفاتهم أحياء وأمواتا. فإن قلت: فما معنى ابتداء خطاب الله موسى بذلك عند مجيئه؟ قلت:

هي بشارة له بأنه قد قضى أمر عظيم تنتشر منه في أرض الشام كلها البركة وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ تعجيب لموسى عليه السلام من ذلك، وإيذان بأنّ ذلك الأمر مريده ومكوّنه رب العالمين، تنبيها على أن الكائن من جلائل الأمور وعظائم الشؤون.

[[سورة النمل (٢٧) : آية ٩]]

يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩)

الهاء في إِنَّهُ يجوز أن يكون ضمير الشأن، والشأن أَنَا اللَّهُ مبتدأ وخبر. والْعَزِيزُ الْحَكِيمُ صفتان للخبر. وأن يكون راجعا إلى ما دل عليه ما قبله، يعنى: أنّ مكلمك أنا، والله بيان لأنا. والعزيز الحكيم: صفتان للمبين، وهذا تمهيد لما أراد أن يظهره على يده من المعجزة، يريد: أنا القوىّ القادر على ما يبعد من الأوهام كقلب العصاحية، الفاعل كل ما أفعله تحكمة وتدبير.

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ١٠ الى ١١]

وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١)

فإن قلت: علام عطف قوله وَأَلْقِ عَصاكَ؟ قلت: على بورك، لأن المعنى: نودي أن بورك من في النار، وأن ألق عصاك: كلاهما تفسير لنؤدي. والمعنى: قيل له بورك من في النار، وقيل له: ألق عصاك. والدليل على ذلك قوله تعالى وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ بعد قوله أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ على تكرير حرف التفسير، كما تقول: كتبت إليك أن حج وأن اعتمر، وإن شئت أن حج واعتمر. وقرأ الحسن: جأنّ على لغة من يجدّ في الهرب من التقاء الساكنين، فيقول: شأبّة ودأبّة. ومنها قراءة عمرو بن عبيد: ولا الضألين وَلَمْ يُعَقِّبْ لم يرجع، يقال:

عقب المقاتل، إذا كرّ بعد الفرار. قال: