للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أشير بها إلى الأمانى المذكورة وهو أمنيتهم «١» أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم، وأمنيتهم أن يردّوهم كفاراً، وأمنيتهم أن لا يدخل الجنة غيرهم: أى تلك الأمانى الباطلة أمانيهم. وقوله (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) متصل بقولهم: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى. وتلك أمانيهم:

اعتراض، أو أريد أمثال تلك الأمنية أمانيهم، على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.

يريد أن أمانيهم جميعا في البطلان مثل أمنيتهم هذه. والأمنية أفعولة من التمني، مثل الأضحوكة والأعجوبة هاتُوا بُرْهانَكُمْ هلموا حجتكم على اختصاصكم بدخول الجنة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعواكم، وهذا أهدم شيء لمذهب المقلدين. وأنّ كل قول لا دليل عليه فهو باطل غير ثابت.

و «هات» صوت بمنزلة هاء، بمعنى أحضر بَلى إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ من أخلص نفسه له لا يشرك به غيره وَهُوَ مُحْسِنٌ في عمله فَلَهُ أَجْرُهُ الذي يستوجبه. فإن قلت: من أسلم وجهه كيف موقعه؟ قلت: يجوز أن يكون (بَلى) ردّاً لقولهم، ثم يقع (مَنْ أَسْلَمَ) كلاما مبتدأ، ويكون (مَنْ) متضمنا لمعنى الشرط، وجوابه (فَلَهُ أَجْرُهُ) ، وأن يكون (مَنْ أَسْلَمَ) فاعلا لفعل محذوف، أى بلى يدخلها من أسلم، ويكون قوله: (فَلَهُ أَجْرُهُ) كلاما معطوفا على يدخلها من أسلم.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١١٣ الى ١١٤]

وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١٤)

عَلى شَيْءٍ أى على شيء يصح ويعتدّ به. وهذه مبالغة عظيمة، لأنّ المحال والمعدوم يقع عليهما اسم الشيء «٢» ، فإذا نفى إطلاق اسم الشيء عليه، فقد بولغ في ترك الاعتداد به إلى ما ليس بعده «٣» . وهذا كقولهم: أقل من لا شيء وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ الواو للحال، والكتاب


(١) . قوله «وهو أمنيتهم» لعله: وهي. (ع)
(٢) . قال محمود رحمه اللَّه: «هذه مبالغة عظيمة لأن المحال والمعدوم يقع عليهما اسم الشيء … الخ» . قال أحمد رحمه اللَّه: وتفسيره الشيء مخالف لفريقى أهل السنة والبدعة، فانه عند أهل السنة قاصر على الموجود وعند المعتزلة يطلق على الموجود وعلى المعدوم الذي يصح وجوده، فليس متناولا للمحال بحال عندهما، وقد تقدم له مثله.
(٣) . قوله «إلى ما ليس بعده» لعل المعنى: إلى حد ليس بعده حد. (ع)