للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَكِّرُوا اجعلوه متنكرا متغيرا عن هيئته وشكله، كما يتنكر الرجل للناس لئلا يعرفوه.

قالوا: وسعوه وجعلوا مقدّمه مؤخره، وأعلاه أسفله. وقرئ: ننظر، بالجزم على الجواب، وبالرفع على الاستئناف أَتَهْتَدِي لمعرفته، أو للجواب الصواب إذا سئلت عنه، أو للدين والايمان بنبوّة سليمان عليه السلام إذا رأت تلك المعجزة البينة، من تقدّم عرشها وقد خلفته وأغلقت عليه الأبواب ونصبت عليه الحرس. هكذا ثلاث كلمات: حرف التنبيه، وكاف التشبيه، واسم الإشارة. لم يقل: أهذا عرشك، ولكن: أمثل هذا عرشك، لئلا يكون تلقينا قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ولم تقل: هو هو، ولا ليس به، وذلك من رجاحة عقلها، حيث لم تقع في المحتمل «١» وَأُوتِينَا الْعِلْمَ من كلام سليمان وملئه: فإن قلت: علام عطف هذا الكلام، وبم اتصل؟ قلت: لما كان المقام- الذي سئلت فيه عن عرشها وأجابت بما أجابت به- مقاما أجرى فيه سليمان وملؤه ما يناسب قولهم وَأُوتِينَا الْعِلْمَ نحو أن يقولوا عند قولها كأنه هو: قد أصابت في جوابها وطبقت المفصل «٢» ، وهي عاقلة لبيبة، وقد رزقت الإسلام، وعلمت قدرة الله وصحة النبوّة بالآيات التي تقدّمت عند وفدة المنذر، وبهذه الآية العجيبة من أمر عرشها- عطفوا على ذلك قولهم: وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته، وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها، ولم نزل على دين الإسلام شكرا لله على فضلهم عليها وسبقهم إلى العلم بالله والإسلام قبلها وَصَدَّها عن التقدم إلى الإسلام عبادة الشمس ونشؤها بين ظهر انى الكفرة، ويجوز أن يكون من كلام بلقيس موصولا بقولها كَأَنَّهُ هُوَ والمعنى: وأوتينا العلم بالله وبقدرته وبصحة نبوّة سليمان


(١) . قال محمود: «لم يقل أهذا عرشك، لئلا يكون تلقينا، قالت. كأنه هو ولم تقل هو هو، ولا ليس بهو وذلك من رجاحة عقلها حيث لم تقع في المحتمل، قال أحمد: وفي قولها كَأَنَّهُ هُوَ وعدولها عن مطابقة الجواب للسؤال، بأن تقول: هكذا هو، نكتة حسنة. ولعل قائلا يقول: كلا العبارتين تشبيه، إذ كاف التشبيه فيهما جميعا، وإن كانت في إحداهما داخلة على اسم الاشارة، وفي الأخرى داخلة على المضمر، وكلاهما- أعنى اسم الاشارة والمضمر- واقع على الذات المشبهة، وحينئذ تستوي العبارتان في المعنى، ويفضل قولها هكذا هو بمطابقته للسؤال، فلا بد في اختيار كَأَنَّهُ هُوَ من حكمة فنقول: حكمته والله أعلم: أن كَأَنَّهُ هُوَ عبارة من قرب عنده الشبه حتى شكك نفسه في التغاير بين الأمرين، فكاد يقول: هو هو، وتلك حال بلقيس. وأما هكذا هو، فعبارة جازم بتغاير الأمرين، حاكم بوقوع الشبه بينهما لا غير، فلهذا عدلت إلى العبارة المذكورة في التلاوة لمطابقتها لحالها والله أعلم. وقول الزمخشري: ولا ليس بهو، إن كان من قوله فوهم، والصواب: ولا ليس به، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(٢) . قوله «وطبقت المفصل» لعله: وطابقت. (ع)