للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخطاب لليهود، لأنهم كانوا يقولون: ما مات نبىُّ إلا على اليهودية، إلا أنهم لو شهدوه وسمعوا ما قاله لبنيه وما قالوه، لظهر لهم حرصه على ملة الإسلام، ولما ادعوا عليه اليهودية. فالآية منافية لقولهم، فكيف يقال لهم: أم كنتم شهداء؟ ولكن الوجه أن تكون أم متصلة على أن يقدر قبلها محذوف، كأنه قيل: أتدّعون على الأنبياء اليهودية؟ أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت، يعنى أن أوائلكم من بنى إسرائيل كانوا مشاهدين له إذ أراد بنيه على التوحيد وملة الإسلام، وقد علمتم ذلك، فما لكم تدّعون على الأنبياء ما هم منه برآء؟ وقرئ (حضر) بكسر الضاد وهي لغة. ما تَعْبُدُونَ أىّ شيء تعبدون؟ و (ما) عامّ في كل شيء فإذا علم فرق بما ومن، وكفاك دليلا قول العلماء «من» لما يعقل. ولو قيل: من تعبدون، لم يعم إلا أولى العلم وحدهم. ويجوز أن يقال: (ما تَعْبُدُونَ) سؤال عن صفة المعبود. كما تقول: ما زيد؟ تريد: أفقيه أم طبيب أم غير ذلك من الصفات؟ وإِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ عطف بيان لآبائك. وجعل إسماعيل وهو عمه من جملة آبائه، لأنّ العمّ أب والخالة أمّ، لانخراطهما في سلك واحد وهو الأخوة لا تفاوت بينهما. ومنه قوله عليه السلام «عمّ الرجل صنو أبيه» «١» أى لا تفاوت بينهما كما لا تفاوت بين صنوي النخلة. وقال عليه الصلاة والسلام في العباس «هذا بقية «٢» آبائي» وقال «ردّوا علىّ أبى، فإنى أخشى أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود» «٣» وقرأ أبىّ: وإله إبراهيم، بطرح آبائك. وقرئ: أبيك. وفيه وجهان: أن يكون واحداً وإبراهيم وحده عطف بيان له، وأن يكون جمعاً بالواو والنون. قال:

وَفَدَّيْنَنَا بالْأَبِينَا «٤»

إِلهاً واحِداً بدل من إله آبائك، كقوله تعالى: (بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ) أو على


(١) . متفق عليه من حديث أبى هريرة. في قصة العباس وخالد بن الوليد وابن جميل لما امتنعوا من إعطاء الصدقة.
(٢) . أخرجه ابن أبى شيبة. حدثنا ابن عيينة عن داود بن سابور عن مجاهد. قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم «احفظوني في العباس فانه بقية آبائي. وإن عم الرجل صنو أبيه» ورواه الطبراني في الأوسط من رواية موسى بن عبد اللَّه بن الحسن بن الحسن عن أبيه عن جده عن الحسن عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال «احفظوني- فذكر مثله» ورواه في الكبير من حديث ابن عباس من وجهين.
(٣) . قال ابن أبى شيبة في المغازي في مصنفه: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب، عن عكرمة. قال: «لما وادع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أهل مكة الحديث» إلى أن قال «فانطلق العباس فركب بغلة النبي صلى اللَّه عليه وسلم الشهباء وانطلق إلى قريش ليدعوهم إلى اللَّه فأبطأ عليه. يقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ردوا على أبى فان عم الرجل صنو أبيه. إنى أخاف أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود:
دعاهم إلى اللَّه فقتلوه. أما واللَّه لئن ركبوها منه لأضر منها عليهم ناراً.
(٤) .
فلما تبين أصواتنا … بكين وفديننا بالأبينا
يقول لما تبين النساء أصواتنا في الحرب وعرفتها، بكين شفقة علينا ورحمة لنا، وفديننا: أى كل واحدة تقول:
فداكم أبى، أو تقول لصاحبتها: فداك أبى. والأبينا: جمع أب معرب إعراب جمع التصحيح.