للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي جده الناسج الساعة في الثوب، ثم شاع. ويقولون: ولهذا قالوا «١» ملحفة جديد، وهي عند البصريين كقوله تعالى إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ ونحو ذلك. فإن قلت: لم أسقطت الهمزة في قوله أَفْتَرى دون قوله «السحر» ، وكلتاهما همزة وصل؟ قلت: القياس الطرح، ولكن أمرا اضطرّهم إلى ترك إسقاطها في نحو «آلسحر» وهو خوف التباس الاستفهام بالخبر، لكون همزة الوصل مفتوحة كهمزة الاستفهام. فإن قلت: ما معنى وصف الضلال بالبعد؟ قلت هو من الإسناد المجازى، لأنّ البعيد صفة الضال إذا بعد عن الجادّة، وكلما ازداد عنها بعدا كان أضل.

فإن قلت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهورا علما في قريش، وكان إنباؤه بالبعث شائعا عندهم، فما معنى قوله هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ فنكروه لهم، وعرضوا عليهم الدلالة عليه كما يدل على مجهول في أمر مجهول. قلت: كانوا يقصدون بذلك الطنز والسخرية، فأخرجوه مخرج التحلي ببعض الأحاجى التي يتحاجى بها للضحك والتلهي متجاهلين به وبأمره.

[[سورة سبإ (٣٤) : آية ٩]]

أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩)

أعموا فلم ينظروا إلى السماء والأرض، وأنهما حيثما كانوا وأينما ساروا أمامهم وخلفهم محيطتان بهم، لا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما وأن يخرجوا عما هم فيه من ملكوت الله عز وجلّ، ولم يخافوا أن يخسف الله بهم أو يسقط عليهم كسفا، لتكذيبهم الآيات وكفرهم بالرسول صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة إِنَّ فِي ذلِكَ النظر إلى السماء والأرض والفكر فيهما وما يدلان عليه من قدرة الله لَآيَةً ودلالة لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ وهو الراجع إلى ربه المطيع له، لأنّ المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله، على أنه قادر على كل شيء من البعث ومن عقاب من يكفر به. قرئ يشأ ويخسف ويسقط: بالياء، لقوله تعالى أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وبالنون لقوله وَلَقَدْ آتَيْنا وكسفا: بفتح السين وسكونه. وقرأ الكسائي: يخسف بهم، بالإدغام وليست بقوية.


(١) . قوله «ولهذا قالوا» أى العرب. (ع) [.....]