للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أجر فهو لكم، كقوله تعالى ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ وفيه معنيان، أحدهما: نفى مسألة الأجر رأسا، كما يقول الرجل لصاحبه: إن أعطيتنى شيئا فخذه، وهو يعلم أنه لم يعطه شيئا ولكنه يريد به البت، لتعليقه الأخذ بما لم يكن. والثاني: أن يريد بالأجر ما أراد في قوله تعالى قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا وفي قوله قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى لأنّ اتخاذ السبيل إلى الله نصيبهم وما فيه نفعهم، وكذلك المودّة في القرابة، لأنّ القرابة قد انتظمته وإياهم عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ حفيظ مهيمن، يعلم أنى لا أطلب الأجر على نصيحتكم ودعائكم إليه إلا منه، ولا أطمع منكم في شيء.

[[سورة سبإ (٣٤) : آية ٤٨]]

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨)

القذف والرمي: تزجية «١» السهم ونحوه بدفع واعتماد، ويستعاران من حقيقتهما لمعنى الإلقاء ومنه قوله تعالى وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ ومعنى يَقْذِفُ بِالْحَقِّ يلقيه وينزله إلى أنبيائه. أو يرمى به الباطل فيدمغه ويزهقه عَلَّامُ الْغُيُوبِ رفع محمول على محل إن واسمها، أو على المستكن في يقذف، أو هو خبر مبتدإ محذوف. وقرئ بالنصب صفة لربي، أو على المدح. وقرئ: الغيوب بالحركات الثلاث، فالغيوب كالبيوت. والغيوب كالصبور وهو الأمر الذي غاب وخفى جدا.

[[سورة سبإ (٣٤) : آية ٤٩]]

قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩)

والحىّ إمّا أن يبدئ فعلا أو يعيده فإذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة، فجعلوا قولهم: لا يبدئ ولا يعيد مثلا في الهلاك. ومنه قول عبيد:

أقفر من أهله عبيد … فاليوم لا يبدي ولا يعيد «٢»

والمعنى: جاء الحق وهلك الباطل، كقوله تعالى: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ وعن ابن مسعود


(١) . قوله «القذف والرمي تزجية السهم» في الصحاح: زجيت الشيء تزجية إذا دفعته برفق. (ع)
(٢) . لعبيد بن الأبرص. وأقفر: خلا أو هلك عبيد من أهله. والإبداء والاعادة من لوازمهما الحياة، فنفيهما كناية عن نفيها بالموت. كان المنذر بن ماء السماء يخرج في يوم من كل سنة فينعم على كل من يلقاه، وفي آخر فيقتل أول من يلقاه، فصادفه فيه عبيد، فقيل له: امدحه بشعر لعله يعفو عنك، فقال: حال الجريض دون القريض، أى منعت الغصة الشعر، فضرب ذلك مثلا وقال هذا البيت بعد ذلك تحسرا. وفي مجانى الأدب: أن المنذر قال له: أنشدنى: أقفر من أهله ملحوب، فقال: أفقر من أهله عبيد. وملحوب: اسم موضع، استنشده بيتا قديما فعلم أنه يريد هلاكه، فقال: لا قدرة لي على إبداء شعر جديد، ولا على إعادة شعر قديم، ودخل في حشو البيت الزحاف الطى، ومن العلل القطع، فصار مستفعلن على وزن مستعل بسكون اللام، وذلك في قوله «أهله» .