للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصبحت لا أحمل السلاح ولا … أملك رأس البعير إن نفرا «١»

أى لا أضبطه، وهو من جملة النعم الظاهرة، وإلا فمن كان يقدر عليها لولا تذليله وتسخيره لها، كما قال القائل:

يصرفه الصّبى بكل وجه … ويحبسه على الخسف الجرير

وتضربه الوليدة بالهراوى … فلا غير لديه ولا نكير «٢»

ولهذا ألزم الله سبحانه الراكب أن يشكر هذه النعمة ويسبح بقوله: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وقرئ: ركوبهم. وركوبتهم. وهما ما يركب، كالحلوب والحلوبة. وقيل:

الركوبة جمع. وقرئ: ركوبهم، أى ذو ركوبهم. أو فمن منافعها ركوبهم مَنافِعُ من الجلود والأوبار والأصواف وغير ذلك وَمَشارِبُ من اللبن، ذكرها مجملة، وقد فصلها في قوله تعالى وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً … الآية والمشارب: جمع مشرب وهو موضع الشرب، أو الشرب

[سورة يس (٣٦) : الآيات ٧٤ الى ٧٦]

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦)


(١) .
أصبح متى الشباب مبتكرا … إن ينأ عنى فقد ثوى عصرا
فارقنا قبل أن نفارقه … لما قضى من جماعنا وطرا
أصبحت لا أملك السلاح ولا … أملك رأس البعير إن نفرا
والذئب أخشاه إن مررت به … وحدي وأخشى الرياح والمطرا
للربيع بن منيع، قاله حين بلغ مائة وأربعين عاما، عاش بعده مائة وستين. والمبتكر: المسافر أول النهار، فهو تشبيه بليغ، ثم تسلى بقوله: إن ينأ، أى بعد عنى فقد أقام عندي أزمنة طويلة فارقنا، أى: ذهب عنا قبل أن نموت، فقوله «نفارقه» مجاز عن ذلك، أو كناية عنه، أو مجاز عن البغض، والجماع: معناه الاجتماع والمصاحبة، والوطر: الحاجة، وهذا كله ترشيح للتشبيه أول الكلام، ولا يخفى ما في البيت من إبهام ما كان ينبغي الاحتراس منه، فان قضاء الوطر من الجماع اشتهر استعماله في مقام الوطء، ثم قال: صرت لا أضبط السلاح بيدي ولا رأس البعير إن ندمنى ولا أقدر عليهما. ويروى: لا أحمل السلاح، أى: لا أقدر على حمله، وأخشاه: أى أخافه، إن مررت به وحدي وأخاف الرياح والمطر ولو مع غيرى، وكل هذا كناية عن بلوغه غاية الضعف والهرم.
(٢) .
لقد عظم البعير بغير لب … فلم يستغن بالعظم البعير
يصرفه الصبى بكل وجه … ويحبسه على الخسف الجرير
وتضربه الوليدة بالهراوى … فلا غير لديه ولا نكير
لكثير عزة حين رآه عبد الملك بن مروان قصيرا حقيرا، فقال: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. وقيل: للعباس ابن مرداس. وقيل: لمعاوية بن مالك الكلابي، وعظم: ضخم وطال. واللب: العقل، وأتى بالظاهر موضع المضمر للتهويل في الطول والجسامة، بكل وجه: في كل جهة. والخسف: الذل. والجرير: حبل غير الزمام يربط به. والهراوى: جمع هراوة وهي العصا، وجمعها دلالة على كثرة الضرب. والغير- بالتحريك- الغيرة.
والنكير: الإنكار، يعنى أن العبرة بالألباب والعقول، لا بالغلظ والطول.