للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بحجج العقل والكتاب: أن معنى الاية يأباه إباء جليا، وينبو عنه نبوّا ظاهرا، وذلك أن الله عز وجل قد احتج عليهم بأنّ العابد والمعبود جميعا خلق الله، فكيف يعبد المخلوق المخلوق، على أن العابد منهما هو الذي عمل صورة المعبود وشكله، ولولاه لما قدر أن يصوّر نفسه ويشكلها، ولو قلت: والله خلقكم وخلق عملكم، ولم يكن محتجا عليهم «١» ولا كان لكلامك طباق. وشيء آخر: وهو أن قوله ما تَعْمَلُونَ ترجمة عن قوله ما تَنْحِتُونَ وما في ما تَنْحِتُونَ موصولة لا مقال فيها فلا يعدل بها عن أختها إلا متعسف متعصب لمذهبه، من غير نظر في علم البيان، ولا تبصر لنظم القرآن. فإن قلت: اجعلها موصولة حتى لا يلزمني ما ألزمت، وأريد: وما تعملونه من أعمالكم. قلت: بل الإلزامان في عنقك لا يفكهما إلا الإذعان للحق، وذلك أنك وإن جعلتها موصولة، فإنك في إرادتك بها العمل غير محتج على المشركين، كحالك وقد جعلتها مصدرية، وأيضا فإنك قاطع بذلك الصلة بين ما تعملون وما تنحتون، حيث تخالف بين المرادين بهما، فتريد بما تنحتون: الأعيان التي هي الأصنام، وبما تعملون: المعاني التي هي الأعمال، وفي ذلك فك النظم وتبتيره، كما إذا جعلتها مصدرية.

[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٩٧ الى ٩٨]

قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨)

الْجَحِيمِ النار الشديدة الوقود، وقيل: كل نار على نار وجمر فوق جمر، فهي جحيم.

والمعنى: أن الله تعالى غلبه عليهم في المقامين جميعا، وأذلهم بين يديه: أرادوا أن يغلبوه بالحجة فلقنه الله وألهمه ما ألقمهم به الحجر، وقهرهم فمالوا إلى المكر، فأبطل الله مكرهم وجعلهم الأذلين الأسفلين لم يقدروا عليه.

[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٩٩ الى ١٠١]

وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١)

أراد بذهابه إلى ربه: مهاجرته إلى حيث أمره بالمهاجرة إليه من أرض الشام، كما قال:


(١) . قوله «لم يكن محتجا عليهم» يكفى في الاحتجاج أن الله هو الخالق لهم ولأعمالهم في الأصنام وغيرها، والأصنام لا تخلق شيئا، بل الانفراد بالخالقية أدل على الانفراد بالالهية. (ع)