للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاعل في التقدير، كقولك: عجبت من ضرب زيد وعمرو، تريد من أن ضرب زيد وعمرو، كأنه قيل: أولئك عليهم أن لعنهم اللَّه والملائكة. فإن قلت: ما معنى قوله وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وفي الناس المسلم والكافر. قلت: أراد بالناس من يعتدّ بلعنه وهم المؤمنون. وقيل: يوم القيامة يلعن بعضهم بعضاً خالِدِينَ فِيها في اللعنة. وقيل في النار إلا أنها أضمرت تفخيما لشأنها وتهويلا وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ من الإنظار أى لا يمهلون ولا يؤجلون، أو لا ينتظرون ليعتذروا. ولا ينظر إليهم نظر رحمة.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٦٣]]

وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)

إِلهٌ واحِدٌ فرد في الإلهية لا شريك له فيها ولا يصح أن يسمى غيره إلها. ولا إِلهَ إِلَّا هُوَ تقرير للوحدانية بنفي غيره وإثباته الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ المولى لجميع النعم أصولها وفروعها، ولا شيء سواه بهذه الصفة، فإن كلّ ما سواه إمّا نعمة وإمّا منعم عليه. وقيل كان للمشركين حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، فلما سمعوا بهذه الآية تعجبوا وقالوا: إن كنت صادقاً فأت بآية نعرف بها صدقك فنزلت.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٦٤]]

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤)

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ واعتقابهما لأنّ كلّ واحد منهما يعقب الآخر، كقوله: (جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) بِما يَنْفَعُ النَّاسَ بالذي ينفعهم مما يحمل فيها أو ينفع الناس. فإن قلت: قوله وَبَثَّ فِيها عطف على أنزل أم أحيا؟ قلت: الظاهر أنه عطف على أنزل داخل تحت حكم الصلة، لأنّ قوله: (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ) عطف على أنزل، فاتصل به وصارا جميعاً كالشىء الواحد، فكأنه قيل: وما أنزل في الأرض من ماء وبثّ فيها من كل دابة.

ويجوز عطفه على أحيا على معنى فأحيا بالمطر الأرض وبثّ فيها من كل دابة لأنهم ينمون بالخصب ويعيشون بالحيا «١» . وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ في مهابها: قبولا، ودبورا، وجنوبا، وشمالا. وفي


(١) . قوله «ويعيشون بالحيا» في الصحاح: الحيا- مقصور-: المطر والخصب. (ع)