للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة ص (٣٨) : الآيات ٨ الى ١١]

أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (١١)

أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم ورؤسائهم وينزل عليه الكتاب من بينهم، كما قالوا: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ وهذا الإنكار ترجمة عما كانت تغلى به صدورهم من الحسد على ما أوتى من شرف النبوّة من بينهم بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ من القرآن، يقولون في أنفسهم: إما وإما. وقولهم إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ كلام مخالف لاعتقادهم فيه يقولونه على سبيل الحسد بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ بعد فإذا ذاقوه زال عنهم ما بهم من الشك والحسد «١» حينئذ، يعنى: أنهم لا يصدقون به إلا أن يمسهم العذاب مضطرين إلى تصديقه أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ يعنى ما هم بما لكي خزائن الرحمة حتى يصيبوا بها من شاءوا ويصرفوها عمن شاءوا، ويتخيروا للنبوّة بعض صناديدهم، ويترفعوا بها عن محمد عليه الصلاة والسلام.

وإنما الذي يملك الرحمة وخزائنها: العزيز القاهر على خلقه، الوهاب الكثير المواهب المصيب بها مواقعها، الذي يقسمها على ما تقتضيه حكمته وعدله، كما قال أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا ثم رشح هذا المعنى فقال أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ حتى يتكلموا في الأمور الربانية والتدابير الإلهية التي يختص بها رب العزة والكبرياء، ثم تهكم بهم غاية التهكم فقال:

وإن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق والتصرف في قسمة الرحمة، وكانت عندهم الحكمة التي يميزون بها بين من هو حقيق بإيتاء النبوّة دون من لا تحق له فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ فليصعدوا في المعارج والطرق التي يتوصل بها إلى العرش، حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم وملكوت الله، وينزلوا الوحى إلى من يختارون ويستصوبون، ثم خسأهم خساءة «٢» عن ذلك بقوله


(١) . قال محمود: «معناه لم يذوقوه بعد، فإذا ذاقوه زال عنهم ما بهم … الخ» قلت: ويؤخذ منه أن لما لائقة بالجواب، وإنما ينفى بها فعل يتوقع وجوده، كما يقول سيبويه، وفرق بينها وبين لم بأن لم نفى لفعل يتوقع وجوده لم يقبل مثبته قد، ولما نفى لما يتوقع وجوده أدخل على مثبته قد، وإنما ذكرت ذلك لأنى حديث عهد بالبحث في قوله عليه الصلاة والسلام «الشفعة فيما لم يقسم» فانى استدللت به على أن الشفعة خاصة بما يقبل القسمة، فقيل لي:
إن غايته أنه أثبت الشفعة فيما نفى عنه القسمة، فاما أنها لا تقبل قسمة، وإما أنها تقبل ولم تقع القسمة، فأبطلت ذلك بأن آلة النفي المذكورة «لم» ومقتضاها قبول المحل الفعل المنفي وتوقع وجوده. ألا تراك تقول: الحجر لا يتكلم» ولو قلت: الحجر لم يتكلم، لكان ركيكا من القول، لافهامه قبوله للكلام،
(٢) . قوله «ثم خسأهم خسأة» في الصحاح: خسأت الكلب خسأ: طردته. وخسأ بنفسه يتعدى ولا يتعدى. (ع)