للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوثن في بيت سليمان، فالله أعلم بصحته «١» حكوا أن سليمان بلغه خبر صيدون وهي مدينة في بعض الجزائر، وأنّ بها ملكا عظيم الشأن لا يقوى عليه لتحصنه بالبحر، فخرج إليه تحمله الريح حتى أناخ بها بجنوده من الجن والإنس، فقتل ملكها وأصاب بنتا له اسمها جرادة من أحسن الناس وجها، فاصطفاها لنفسه وأسلمت وأحبها، وكانت لا يرقأ دمعها حزنا على أبيها، فأمر الشياطين فمثلوا لها صورة أبيها، فكستها مثل كسوته وكانت تغدو إليها وتروح مع ولائدها يسجدن له كعادتهنّ في ملكه، فأخبر آصف سليمان بذلك فكسر الصورة وعاقب المرأة، ثم خرج وحده إلى فلاة وفرش له الرماد، فجلس عليه تائبا إلى الله متضرّعا، وكانت له أمّ ولد يقال لها أمينة، إذا دخل للطهارة أو لإصابة امرأة وضع خاتمه عندها، وكان ملكه في خاتمه، فوضعه عندها يوما وأتاها الشيطان صاحب البحر- وهو الذي دلّ سليمان على الماس حين أمر ببناء بيت المقدس واسمه صخر- على صورة سليمان فقال: يا أمينة خاتمي، فتختم به وجلس على كرسي سليمان، وعكفت عليه الطير والجنّ والإنس، وغير سليمان عن هيئته فأتى أمينة لطلب الخاتم فأنكرته وطردته، فعرف أنّ الخطيئة قد أدركته، فكان يدور على البيوت يتكفف، فإذا قال: أنا سليمان حثوا عليه التراب وسبوه، ثم عمد إلى السماكين ينقل لهم السمك فيعطونه كلّ يوم سمكتين، فمكث على ذلك أربعين صباحا عدد ما عبد الوثن في بيته، فأنكر آصف وعظماء بنى إسرائيل حكم الشيطان، وسأل آصف نساء سليمان فقلنا: ما يدع امرأة منا في دمها ولا يغتسل من جنابة.

وقيل: بل نفذ حكمه في كل شيء إلا فيهنّ، ثم طار الشيطان وقذف الخاتم في البحر، فابتلعته سمكة ووقعت السمكة في يد سليمان، فبقر بطنها فإذا هو بالخاتم، فتختم به ووقع ساجدا، ورجع إليه ملكه، وجاب صخرة لصخر «٢» فجعله فيها، وسدّ عليه بأخرى ثم أوثقهما بالحديد والرصاص وقذفه في البحر. وقيل: لما افتتنن كان يسقط الخاتم من يده لا يتماسك فيها، فقال له آصف: إنك لمفتون بذنبك والخاتم لا يقرّ في يدك، فتب إلى الله عز وجل. ولقد أبى العلماء المتقنون قبوله وقالوا: هذا من أباطيل اليهود، والشياطين لا يتمكنون من مثل هذه الأفاعيل. وتسليط الله إياهم على عباده حتى يقعوا في تغيير الأحكام، وعلى نساء الأنبياء حتى يفجروا بهنّ: قبيح، وأما اتخاذ التماثيل فيجوز أن تختلف فيه الشرائع. ألا ترى إلى قوله مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وأما السجود للصورة فلا يظن بنبىّ الله أن يأذن فيه، وإذا كان بغير علمه فلا عليه. وقوله وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ناب عن إفادة معنى إنابة الشيطان منابه نبوّا ظاهرا.


(١) . أخرجه النسائي في التفسير من رواية المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. وإسناده قوى وأخرجه ابن أبى حاتم من حديث ابن عباس قريبا مما أورده المصنف.
(٢) . قوله «وجاب صخرة لصخر» أى: خرق أو قطع أفاده الصحاح. (ع)