للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اختلاف وتنازع: كل واحد منهم يدعى أنه عبده، فهم يتجاذبونه ويتعاورونه في مهن شتى ومشاده، وإذا عنت له حاجة تدافعوه، فهو متحير في أمره سادر، «١» قد تشعبت الهموم قلبه وتوزعت أفكاره، لا يدرى أيهم يرضى بخدمته؟ وعلى أيهم يعتمد في حاجاته. وفي آخر: قد سلم لمالك واحد وخلص له، فهو معتنق لما لزمه من خدمته، معتمد عليه فيما يصلحه، فهمه واحد وقلبه مجتمع، أى هذين العبدين أحسن حالا وأجمل شأنا؟ والمراد: تمثيل حال من يثبت آلهة شتى، وما يلزمه على قضية مذهبه من أن يدعى كل واحد منهم عبوديته، ويتشاكسوا في ذلك ويتغالبوا، كما قال تعالى وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ويبقى هو متحيرا ضائعا لا يدرى أيهم يعبد؟

وعلى ربوبية أيهم يعتمد؟ وممن يطلب رزقه؟ وممن يلتمس رفقه؟ فهمه شعاع، «٢» وقلبه أوزاع، وحال من لم يثبت إلا إلها واحدا، فهو قائم بما كلفه، عارف بما أرضاه وما أسخطه، متفضل عليه في عاجله، مؤمل للثواب في آجله. وفِيهِ صلة شركاء، كما تقول: اشتركوا فيه. والتشاكس والتشاخس: الاختلاف، تقول: تشاكست أحواله، وتشاخست أسنانه سَلَماً لِرَجُلٍ خالصا. وقرئ: سلما، بفتح الفاء والعين، وفتح الفاء وكسرها مع سكون العين، وهي مصادر سلم. والمعنى: ذا سلامة لرجل، أى: ذا خلوص له من الشركة، من قولهم: سلمت له الضيعة.

وقرئ بالرفع على الابتداء، أى: وهناك رجل سالم لرجل، وإنما جعله رجلا ليكون أفطن لما شقى به أو سعد، فإن المرأة والصبى قد يغفلان عن ذلك هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا هل يستويان:

صفة على التمييز. والمعنى: هل يستوي صفتاهما وحالاهما، وإنما اقتصر في التمييز على الواحد لبيان الجنس. وقرئ: مثلين، كقوله تعالى وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً مع قوله أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ويجوز فيمن قرأ: مثلين، أن يكون الضمير في يَسْتَوِيانِ للمثلين، لأن التقدير: مثل رجل ومثل رجل. والمعنى: هل يستويان فيما يرجع إلى الوصفية، كما تقول: كفى بهما رجلين الْحَمْدُ لِلَّهِ الواحد الذي لا شريك له دون كل معبود سواه، أى: يجب أن يكون الحمد متوجها إليه وحده والعبادة، فقد ثبت أنه لا إله إلا هو بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ فيشركون به غيره.

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٣٠ الى ٣٣]

إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٣٢) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣)


(١) . قوله «في أمره سادر» في الصحاح «السادر» : المتحير. (ع)
(٢) . قوله «فهمه شعاع … الخ» بالفتح أى متفرق. وقولهم: بها أوزاع من الناس، أى: جماعات كذا في الصحاح. (ع)