للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الجبل فيقتلعها بيده. فإن قلت: القوّة هي الشدّة والصلابة في البنية، وهي نقيضة الضعف.

وأما القدرة فما لأجله يصح الفعل من الفاعل من تميز بذات أو بصحة بنية «١» وهي نقيضة العجز والله سبحانه وتعالى لا يوصف بالقوّة إلا على معنى القدرة، فكيف صحّ قوله هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وإنما يصح إذا أريد بالقوّة في الموضعين شيء واحد؟ قلت: القدرة في الإنسان هي صحة البنية والاعتدال والقوّة والشدّة والصلابة في البنية، وحقيقتها: زيادة القدرة «٢» ، فكما صحّ أن يقال: الله أقدر منهم، جاز أن يقال: أقوى منهم، على معنى: أنه يقدر لذاته على ما لا يقدرون عليه بازدياد قدرهم يَجْحَدُونَ كانوا يعرفون أنها حق، ولكنهم جحدوها كما يجحد المودع الوديعة، وهو معطوف «٣» على فاستكبروا، أى كانوا كفرة فسقة. الصرصر: العاصفة التي تصرصر، أى: تصوّت في هبوبها. وقيل: الباردة التي تحرق بشدّة بردها، تكرير لبناء الصر وهو البرد الذي يصر أى يجمع ويقبض نَحِساتٍ قرئ بكسر الحاء وسكونها. ونحس نحسا:

نقيض سعد سعدا، وهو نحس. وأما نحس، فإمّا مخفف نحس، أو صفة على فعل، كالضخم وشبهه. أو وصف بمصدر. وقرئ: لنذيقهم، على أنّ الإذاقة للريح أو للأيام النحسات.

وأضاف العذاب إلى الخزي وهو الذل والاستكانة على أنه وصف للعذاب، كأنه قال: عذاب خزى، كما تقول: فعل السوء، تريد: الفعل السيئ، والدليل عليه قوله تعالى وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وهو من الإسناد المجازى، ووصف العذاب بالخزي: أبلغ من وصفهم به.


(١) . قوله «من تمييز بذات أو لصحة بنية» هذا كقوله الآتي: إنه يقدر لداته، تمحل لتطبيق الآية على مذهب المعتزلة على أنه تعالى قادر بذاته، لكن مذهب أهل السنة أنه تعالى قادر بقدرة قائمة بذاته، وكذا بقية الصفات كما في التوحيد. (ع) [.....]
(٢) . قال محمود: «القوة: الشدة في البنية ونقيضها الضعف، والقدرة ما لأجله يصح الفعل من الفاعل، وهي نقيضة العجز، فان وصف الله تعالى بالقوة فذاك بمعنى القدرة وليست القوة على حقيقتها، فكيف صح قوله هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ولا بد أن يراد بالقوة في الموضعين شيء واحد، وأجاب عنه بأن القدرة في الإنسان صحة البنية والاعتدال والشدة، والقوة زيادة في القدرة، فكما صح أن يقال: أقدر منهم، صح أن يقال: أقوى منهم، على معنى أنه يقدر لذاته على ما لا يقدرون عليه بازدياد قدرتهم» قال أحمد، فسر القدرة على خلاف ما هي في اعتقاد المتكلمين، فان سلم له من حيث اللغة فقد نكص عنه إلى حمل القدرة في الآية على مقتضاها في فن الكلام، وجعل التفضيل من حيث أن الله تعالى قادر لذاته. أى: بلا قدرة، والمخلوق قادر بقدرة على القاعدة الفاسدة للقدرية، ونظير هذا التفسير في الفساد تفسير قول القائل: زيد أعلم من عمرو، بإثبات صفة العلم للمفضول، وسلبها بالكلية عن الأفضل، وهل هذا إلا عنه وعمى في اتباع الهوى وعمه؟ فالحق أن التفضيل إنما جاء من جهة أن القدرة الثابتة للعبد قدرة مقارنة لفعله، معلومة قبله وبعده، مفقودة غير مؤثرة في العقل الراجح في محلها» فضلا عن تجاوزها إلى غيره، وقدرة الله جلت قدرته مؤثرة في المقدورات، موجودة أزلا وأبدا، عامة التعلق بجميع الكائنات من الممكنات، فهذا هو النور الذي لا يلوح إلا من إثبات عقائد السنة لمن سبقت له من الله المنة.
(٣) . قوله «وهو معطوف على فاستكبروا» أى: قوله تعالى وَكانُوا … الخ (ع)