للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشترك فيه ما وراء الواحد. بدليل قوله تعالى: (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) فلا سؤال فيه إذن، وإنما كان يكون موضعا للسؤال لو قيل: ثلاثة أشهر معلومات. وقيل: نزّل بعض الشهر منزلة كله، كما يقال: رأيتك سنة كذا، أو على عهد فلان، ولعل العهد عشرون سنة أو أكثر، وإنما رآه في ساعة منها. فإن قلت: ما وجه مذهب مالك وهو مروىّ عن عروة بن الزبير؟ قلت: قالوا إنّ العمرة غير مستحبة فيها عند عمر وابن عمر فكأنها مخلصة للحج لا مجال فيها للعمرة. وعن عمر رضى اللَّه عنه: أنه كان يخفق الناس بالدّرة وينهاهم عن الاعتمار فيهنّ. وعن عمر «١» رضى اللَّه عنه قال لرجل: إن أطعتنى انتظرت حتى إذا أهللت المحرم «٢» خرجت إلى ذات عرق فأهللت منها بعمرة. وقالوا: لعل من مذهب عروة جواز تأخير طواف الزيارة إلى آخر الشهر مَعْلُوماتٌ معروفات عند الناس لا يشكلن عليهم. وفيه أنّ الشرع لم يأت على خلاف ما عرفوه. وإنما جاء مقرّرا له فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فمن ألزمه نفسه بالتلبية أو بتقليد الهدى وسوقه عند أبى حنيفة وعند الشافعي بالنية فَلا رَفَثَ فلإجماع لأنه يفسده. أو فلا فحش من الكلام وَلا فُسُوقَ ولا خروج عن حدود الشريعة وقيل. هو السباب والتنابز بالألقاب وَلا جِدالَ ولا مراء مع الرفقاء والخدم والمكارين «٣» : وإنما أمر باجتناب ذلك. وهو واجب الاجتناب في كل حال «٤» لأنه مع الحج أسمج كلبس الحرير في الصلاة والتطريب في قراءة القرآن. والمراد بالنفي وجوب انتفائها، وأنها حقيقة بأن لا تكون. وقرئ المنفيات الثلاث بالنصب وبالرفع. وقرأ أبو عمرو وابن كثير الأوّلين بالرفع والآخر بالنصب لأنهما حملا الأوّلين على معنى النهى، كأنه قيل:

فلا يكونن رفث ولا فسوق، والثالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال كأنه قيل: ولا شك


(١) . قوله «وعن عمر» لعله ابن عمر. (ع) [.....]
(٢) . قوله «حتى إذا أهللت المحرم» في الصحاح: أهل الهلال واستهل، على ما لم يسم فاعله. (ع)
(٣) . قوله «والمكارين» في الصحاح: الكراء ممدود، لأنه مصدر كاريت. والدليل على ذلك أنك تقول: رجل مكار. ومفاعل: إنما هو من فاعلت اه فالمكارين في عبارة المفسر. جمع للمكارى، على زنة المفاعلين جمعا للمفاعل. (ع)
(٤) . قال محمود رحمه اللَّه: «إنما أمر باجتناب ذلك في الحج واجتنابه واجب … الخ» . قال أحمد رحمه اللَّه:
وفيه نكتة تتعلق بعلم البيان، وهي أن تخصيص الحج بالنهي عن الرفث فيه والفسوق والجدال يشعر بأنها في غبر الحج وإن كانت منهيا عنها وقبيحة، إلا أن ذلك القبح الثابت لها في غير الحج كلا قبح بالنسبة إلى وقوعها في الحج فاشتمل هذا التخصيص على هذا النوع من المبالغة البليغة واللَّه أعلم. على أن الرفث إن كان التحدث في أمر الجماع خاصة، فالنهي عنه خاص بالحج وهو جائز في غيره على الوجه الشرعي. وقد نبه مالك رضى اللَّه عنه على أنه لا بأس للحاج بالسعي في أمور النساء، إلا أن ذلك قد يوقع في الوهم أنه يؤدى إلى ترك المحظور، وهذا يدل على تشديد مالك في حظر الرفث للحاج وما يتعلق به واللَّه أعلم. وسمعت الشافعية يلهجون بالاعتراض على إسحاق في قوله من التنبيه: وتحريم الغيبة على الصائم. فيقولون: وعلى المفطر، فلا فائدة في تخصيص الصائم، ويعدون ذلك وهما منه وهم بمعزل عن هذه الآية وأمثالها، فقد أوسعته عذراً في عبارته تلك إذ الكتاب العزيز به تمتحن الفصاحة وصحة العبارات.