للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السلم) بكسر السين وفتحها. وقرأ الأعمش بفتح السين واللام، وهو: الاستسلام والطاعة، أى استسلموا للَّه وأطيعوه كَافَّةً لا يخرج أحد منكم يده عن طاعته. وقيل هو الإسلام. والخطاب لأهل الكتاب لأنهم آمنوا بنبيهم وكتابهم، أو للمنافقين لأنهم آمنوا بألسنتهم.

ويجوز أن يكون كافة حالا من السلم، لأنها تؤنث كما تؤنث الحرب. قال:

السِّلْمُ تَأْخُذُ مِنْهَا مَا رَضِيتَ بِهِ … وَالْحَرْبُ يَكْفِيكَ مِنْ أَنْفَاسِهَا جُرَعُ «١»

على أنّ المؤمنين أمروا بأن يدخلوا في الطاعات كلها. وأن لا يدخلوا في طاعة دون طاعة. أو في شعب الإسلام وشرائعه كلها، وأن لا يُخلوا بشيء منها. وعن عبد اللَّه بن سلام أنه استأذن رسول اللَّه


(١) .
أبا خراشة أما أنت ذا نفر … فان قومي لم تأكلهم الضبع
إن تك جلمود بصر لا أؤبسه … أوقد عليه فأحميه فينصدع
السلم تأخذ منها ما رضيت به … والحرب يكفيك من أنفاسها جرع
للعباس بن مرداس يخاطب خفاف بن ندبة. وأما أنت: أصله لأن كنت، فحذفت لام التعليل وكان الناقصة، فانفصل ضميرها ونابت عنها ما، وأدغمت فيها أن المصدرية. وقال الكوفيون تأتى «أن» بالفتح شرطية كان بالكسر، وعلى هذا فلا حاجة لتقدير لام التعليل، والمعنى على الشرط والجواب. والضبع: السنة المجدبة، أو الحيوان المعروف.
والبصر: حجارة تضرب إلى بياض، واحدة بصرة. وقيل هي بمعناه، وأبسه تأبيساً: ذلله وكسره. يقول يا أبا خراشة، لأن كنت صاحب جيش افتخرت على، لا تفعل ذلك فان قومي موجودون كثيرون. وكنى عن ذلك بعدم أكل الضبع إياهم. ويحتمل أن فيه تعريضا أيضا، ثم قال: إن تكن كصخر من الحجارة لا أقدر على تأبيسه وتكسيره لصلابته، أو قد عليه نار الحرب بمعاونة الفرسان لي فأحرقه فينشق وينكسر فالايقاد استعارة مصرحة، والاحماء ترشيح. أو إن لم أغلبك على العادة تحيلت حتى أغلبك، كما يتحيل بكسر الحجر بالنار. وأتى بضمير الغيبة نظراً للخبر، ورفع أحميه وينصدع بعد الشرط المضارع قليل ضعيف، سيما مع عطفهما على المجزوم، ولعله توهم جزمه. والسلم بالفتح وبالكسر: الصلح تأخذ منها ما يكفيك من طول المدة، أو تأخذ منا بسببها. وأما الحرب فيكفيك منها القليل، فتنكير جرع للتقليل. وشبه الحرب بنار منحبسة في ظرف ذى منافذ تخرج منها أنفاس، وشبه الأنفاس بماء على طريق المكنية والأنفاس تخييل للأولى والجرع تخييل للثانية، وفيها نوع تهكم حيث شبه الحار بالبارد، كأنه يسقيه من أنفاسها. ويروى «في السلم تأخذ منا ما رضيت به» أى تأخذ منا شيئا كثيراً في زمن الصلح، ولا تطيق من حربنا إلا قليلا لكن هذه الرواية إنما تدل على تأنيث السلم، بطريق المقابلة للحرب.