للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنّ لي صبية صغارا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلىّ جاعوا. فقال: ما عندي في أمرك شيء. وروى أنه قال لها: حرمت عليه، فقالت: يا رسول الله، ما ذكر طلاقا وإنما هو أبو ولدى وأحب الناس إلىّ، فقال: حرمت عليه، فقالت: أشكو إلى الله فاقتي ووجدي، كلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمت عليه، هتفت وشكت إلى الله «١»

، فنزلت فِي زَوْجِها في شأنه ومعناه إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ يصح أن يسمع كل مسموع ويبصر كل مبصر. فإن قلت: ما معنى قَدْ في قوله قَدْ سَمِعَ؟ قلت: معناه التوقع، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع الله مجادلتها وشكواها وينزل في ذلك ما يفرّج عنها.

[سورة المجادلة (٥٨) : الآيات ٢ الى ٤]

الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢) وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤)

الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ في مِنْكُمْ توبيخ للعرب وتهجين لعادتهم في الظهار، لأنه كان من أيمان أهل جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ وقرئ بالرفع على اللغتين الحجازية والتميمية. وفي قراءة ابن مسعود: بأمّهاتهم، وزيادة الباء في لغة من ينصب. والمعنى أن من يقول لامرأته أنت علىّ كظهر أمى: ملحق في كلامه هذا للزوج بالأم، وجاعلها مثلها.

وهذا تشبيه باطل لتباين الحالين إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ يريد أن الأمهات على الحقيقة إنما هنّ الوالدات وغيرهنّ ملحقات بهنّ لدخولهنّ في حكمهنّ، فالمرضعات أمّهات لأنّهنّ


(١) . هذه الرواية الثانية أخرجها الطبري من طريق أبى معشر عن محمد بن كعب القرظي قال: كانت خولة بنت ثعلبة تحت أوس بن الصامت. وكان رجلا به لمم. فقال في بعض هجراته: أنت على كظهر أمى، قال: ما أظنك إلا قد حرمت على فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبى الله، إن أوس بن الصامت أبو ولدى، وأحب الناس إلى، والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقا قال: ما أراك إلا حرمت عليه، فقالت: يا رسول الله لا تقل كذلك والله ما ذكر طلاقا. فراودت النبي صلى الله عليه وسلم مرارا ثم قالت: اللهم إنى أشكو إليك فاقتي ووحدتي وما يشق على من فراقه- الحديث» ومن طريق أبى العالية قال: فجعلت كلما قال لها: حرمت عليه، هتفت وقالت: أشكو إلى الله، فلم ترم مكانها حتى نزلت الآية.