للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانوا يعتقدون التشبيه، وأنه في السماء، وأنّ الرحمة والعذاب ينزلان منه، وكانوا يدعونه من جهتها، فقيل لهم على حسب اعتقادهم: أأمنتم من تزعمون أنه في السماء، وهو متعال عن المكان أن يعذبكم بخسف أو بحاصب، كما تقول لبعض المشبهة: أما تخاف من فوق العرش أن يعاقبك بما تفعل، إذا رأيته يركب بعض المعاصي فَسَتَعْلَمُونَ قرئ بالتاء والياء كَيْفَ نَذِيرِ أى إذا رأيتم المنذر به علمتم كيف إنذارى حين لا ينفعكم العلم صافَّاتٍ باسطات أجنحتهن في الجوّ عند طيرانها، لأنهن إذا بسطنها صففن قوادمها «١» صفا وَيَقْبِضْنَ ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن. فإن قلت: لم قيل: ويقبضن، ولم يقل: وقابضات؟ قلت: لأن الأصل في الطيران هو صف الأجنحة، لأنّ الطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والأصل في السباحة مدّ الأطراف وبسطها. وأما القبض فطارئ على البسط للاستظهار به على التحرك، فجيء بما هو طار غير أصل بلفظ الفعل، على معنى أنهن صافات، ويكون منهن القبض تارة كما يكون من السابح ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ بقدرته وبما دبر لهن من القوادم والخوافي «٢» ، وبنى الأجسام على شكل وخصائص قد تأتى منها الجري في الجو إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ يعلم كيف يخلق وكيف يدبر العجائب.

[سورة الملك (٦٧) : الآيات ٢٠ الى ٢١]

أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١)

أَمَّنْ يشار إليه من الجموع ويقال هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الله إن أرسل عليكم عذابه أَمَّنْ يشار إليه ويقال هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ وهذا على التقدير. ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأوثان لاعتقادهم أنهم يحفظون من النوائب ويرزقون ببركة آلهتهم، فكأنهم الجند الناصر والرازق. ونحوه قوله تعالى أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا. بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ بل تمادوا في عناد وشراد عن الحق لثقله عليهم فلم يتبعوه.

[سورة الملك (٦٧) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]

أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)


(١) . قال محمود: «معناه: باسطات أجنحتها، لأنها إذا بسطتها صفت قوادمها … الخ» قال أحمد: ويلاحظ هذا المعنى في قوله وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً بعد قوله إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ ولم يقل مسبحات، مثل محشورة لقربه من هذا التفسير، ولقد أحسن فيه كل الإحسان.
(٢) . قوله «من القوادم والخوافي» في الصحاح «قوادم الطير» : مقاديم ريشه، وهي عشر ريشات في كل جناح. والخوافي ما دون الريشات العشر من مقدم الجناح. (ع) [.....]