للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَيْلًا وَنَهاراً دائبا من غير فتور مستغرقا به الأوقات كلها فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي جعل الدعاء فاعل زيادة الفرار. والمعنى على أنهم ازدادوا عنده فرارا، لأنه سبب الزيادة. ونحوه فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ، فَزادَتْهُمْ إِيماناً لِتَغْفِرَ لَهُمْ ليتوبوا عن كفرهم فتغفر لهم، فذكر المسبب الذي هو حظهم خالصا ليكون أقبح لإعراضهم عنه. سدّوا مسامعهم عن استماع الدعوة وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وتغطوا بها، كأنهم طلبوا أن تغشاهم ثيابهم، أو تغشيهم لئلا يبصروه كراهة النظر إلى وجه من ينصحهم في دين الله. وقيل: لئلا يعرفهم، ويعضده قوله تعالى أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ. الإصرار: من أصر الحمار على العانة «١» إذا صرّ أذنيه وأقبل عليها يكدمها ويطردها: استعير للإقبال على المعاصي والإكباب عليها وَاسْتَكْبَرُوا وأخذتهم العزة من «٢» اتباع نوح وطاعته، وذكر المصدر تأكيد ودلالة على فرط استقبالهم وعتوهم. فإن قلت: ذكر أنه دعاهم ليلا ونهارا، ثم دعاهم جهارا، ثم دعاهم في السرو العلن، فيجب أن تكون ثلاث دعوات مختلفات حتى يصح العطف. قلت: قد فعل عليه الصلاة والسلام كما يفعل الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر:

في الابتداء بالأهون والترقي في الأشد فالأشد، فافتتح بالمناصحة في السر، فلما لم يقبلوا ثنى بالمجاهرة، فلما لم تؤثر ثلث بالجمع بين الإسرار والإعلان. ومعنى ثُمَّ الدلالة على تباعد الأحوال، لأن الجهار أغلظ من الإسرار، والجمع بين الأمرين، أغلظ من إفراد أحدهما. وجِهاراً


(١) . قوله «من أصر الحمار على العانة» هي القطيع من حمر الوحش، والكدم: العض بأدنى الفم. أفاده الصحاح. وفيه: صر الفرس أذنيه ضمها إلى رأسه، فإذا لم يوقعوا قالوا: أصر الفرس بالألف اه، يعنى: إذا لم يجعلوا الفعل متعديا إلى مفعول. (ع)
(٢) . قوله «وأخذتهم العزة من اتباع نوح» لعله: عن. (ع)