للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على نصرهم، وتهكم بهم، كأنه قال: فلم يجدوا لهم من دون الله آلهة ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله، كقوله تعالى أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا. دَيَّاراً من الأسماء المستعملة في النفي العام، يقال: ما بالدار ديار وديور، كقيام وقيوم، وهو فيعال من الدور. أو من الدار، أصله ديوار، ففعل به ما فعل بأصل سيد وميت، ولو كان فعالا لكان دوّارا. فإن قلت: بم علم أن أولادهم يكفرون، وكيف وصفهم بالكفر عند الولادة؟ قلت: لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، فذاقهم وأكلهم وعرف طباعهم وأحوالهم، وكان الرجل منهم ينطلق بابنه إليه، ويقول: احذر هذا، فإنه كذاب، وإن أبى حذرنيه فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك، وقد أخبره الله عزّ وجل أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، ومعنى لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً لا يلدوا إلا من سيفجر ويكفر. فوصفهم بما يصيرون إليه، كقوله عليه السلام «من قتل قتيلا فله سلبه» «١»

[[سورة نوح (٧١) : آية ٢٨]]

رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَباراً (٢٨)

وَلِوالِدَيَّ أبوه لمك بن متوشلخ، وأمه شمخا بنت أنوش: كانا مؤمنين. وقيل. هما آدم وحواء. وقرأ الحسين بن على: ولولدي، يريد: ساما وحاما بَيْتِيَ منزلي. وقيل:

مسجدى. وقيل: سفينتي، خص أوّلا من يتصل به، لأنهم أولى وأحق بدعائه، ثم عم المؤمنين والمؤمنات تَباراً هلاكا. فإن قلت: ما فعل صبيانهم حين أغرقوا؟ قلت: غرقوا معهم لا على وجه العقاب «٢» ، ولكن كما يموتون بالأنواع من أسباب الموت، وكم منهم من يموت بالغرق والحرق، وكأن ذلك زيادة في عذاب الآباء والأمّهات إذا أبصروا أطفالهم يغرقون.


(١) . متفق عليه، وقد تقدم.
(٢) . قال محمود: «ما موجب إغراقهم حين أغرقوا، وأجاب بأنهم ما أغرقوا لا على وجه العقاب … الخ» قال أحمد: هذا السؤال مفصح عما في باطنه من وجوب تعليل أفعال الله تعالى، وعليه يبنى أنه لا يجوز الألم من الله تعالى إلا باستحقاق سابق، أو لأعواض مترقبة، أو لغير ذلك من المصالح، بناء على القاعدة لهم في الصلاح والأصلح والصبيان لا جناية سبقت منهم ولا عوض يترقب فيهم. فبرد السؤال على ذلك. وأما أهل السنة فالله تعالى قد تكفل الجواب عنهم بقوله لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهذا الكلام بالنظر إلى خصوص واقعة قوم نوح، وينجر الكلام منها إلى حكم الله علينا في العدو إذا خيف من مقاتلتهم بالآلات على ذراريهم أن ذلك لا يوجب الاكفاف عن مقاتلتهم بالآلات المهلكة لهم والمذرية، ويستدل برمي النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الطائف بالمجانيق. وقيل له فيهم الذرية، فقال: هم من آبائهم، وأما رميهم بالنار وفيهم الذرية: فمنعه مالك رحمه الله، إلا أن يخاف غائلتهم فيرمون بها إن لم يندفعوا بغيرها، والله تعالى أعلم.