للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خبر بعد خبر «لأن» أو بحذف المبتدإ أَنْ يَتَقَدَّمَ في موضع الرفع بالابتداء. ولمن شاء: خبر مقدّم عليه، كقولك: لمن توضأ أن يصلى، ومعناه مطلق لمن شاء التقدّم أو التأخر أن يتقدّم أو يتأخر، والمراد بالتقدّم والتأخر: السبق إلى الخير والتخلف عنه، وهو كقوله فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ويجوز أن يكون لِمَنْ شاءَ بدلا من لِلْبَشَرِ على أنها منذرة للمكلفين الممكنين: الذين إن شاءوا تقدّموا ففازوا، وإن شاءوا تأخروا فهلكوا.

[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ٣٨ الى ٤٨]

كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢)

قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧)

فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)

رَهِينَةٌ ليست بتأنيث رهين «١» في قوله كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ لتأنيث النفس، لأنه لو قصدت الصفة لقيل: رهين، لأنّ فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وإنما هي اسم بمعنى الرهن، كالشتيمة بمعنى الشتم، كأنه قيل: كل نفس بما كسبت رهن، ومنه بيت الحماسة:

أبعد الّذى بالنّعف نعف كويكب … رهينة رمس ذى تراب وجندل «٢»


(١) . قال محمود: «وليست بتأنيث رهين … الخ» قال أحمد: لأنه فعيل بمعنى مفعول، يستوي مذكره ومؤنثه، كقتيل وجديد.
(٢) .
أبعد الذي بالنعف نعف كويكب … رهينة رمس ذى تراب وجندل
أأذكر بالبقيا على من أصابنى … وبقياى أنى جاهد غير مؤتل
لمسور بن زيادة الحارثي. وقيل: لعبد الرحمن بن زيد، قتل أبوه زيادة فعرض عليه فيه سبع ديات، فأبى إلا الثأر.
والاستفهام إنكارى. والنعف- بالفتح-: الجبل والمكان المرتفع. وقيل: ما يستقبلك من الجبل. وكويكب:
جبل بعينه. وفي هذا الاندال من التفصيل بعد الإجمال: ما ينبئ عن تفخيم المحل والحال، أى: أبعد قتل أبى المدفون في ذلك الموضع حال كونه محتبسا في رمس. وقيل: رهينة بالجر، بدل من الذي، فهو اسم ملحق بالجوامد بمعنى الرهن. ويقال: رمست الشيء رمسا إذا دفنته في التراب، فأطلق المصدر وأريد مكانه، وهو القبر. والجندل: الحجارة، وكررت همزة الاستفهام في قوله «أأذكر» توكيدا للأولى. لأنها داخلة على هذا الفعل تقديرا أيضا. ويحتمل أنها داخلة على مقدر، أى: أبعد أبى أفرح بالدية. وروى «أذكر» بالتشديد والبناء للمجهول، فالهمزة الأولى داخلة عليه، ولا شاهد فيه حينئذ. والبقيا: الإبقاء على الشيء، أى: لا أذكر بين الناس بأنى أبقيت على قاتل أبى، والحال أن إبقائى عليه كوني جاهدا ومصمم العزم على الفتك به غير حالف على ذلك، لأنى لا أحتاج إلى الحلف في تنفيذ أمورى. أو غير مقصر في الاجتهاد، لأن الائتلاء يجيء بمعنى الحلف وبمعنى التقصير،