للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أريد الكناسة: قلت: وما تصنع بها؟ قال: أنظر إلى الإبل كيف خلقت. فإن قلت: كيف حسن ذكر الإبل مع السماء والجبال والأرض ولا مناسبة؟ قلت: قد انتظم هذه الأشياء نظر العرب في أوديتهم وبواديهم، فانتظمها الذكر على حسب ما انتظمها نظرهم، ولم يدع من زعم أن الإبل السحاب إلى قوله، إلا طلب المناسبة، ولعله لم يرد أن الإبل من أسماء السحاب، كالغمام والمزن والرباب والغيم والغين، وغير ذلك، وإنما رأى السحاب مشبها بالإبل كثيرا في أشعارهم، فجوز أن يراد بها السحاب على طريق التشبيه والمجاز كَيْفَ رُفِعَتْ رفعا بعيد المدى بالإمساك وبغير عمد. وكَيْفَ نُصِبَتْ نصبا ثابتا، فهي راسخة لا تميل ولا تزول. وكَيْفَ سُطِحَتْ سطحا بتمهيد وتوطئة، فهي مهاد للمتقلب عليها. وقرأ على بن أبى طالب رضى الله عنه: خلقت، ورفعت، ونصبت، وسطحت: على البناء للفاعل وتاء الضمير، والتقدير:

فعلتها. فحذف المفعول. وعن هرون الرشيد أنه قرأ: سطحت بالتشديد، والمعنى: أفلا ينظرون إلى هذه المخلوقات الشاهدة على قدرة الخالق، حتى لا ينكروا اقتداره على البعث فيسمعوا إنذار الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤمنوا به ويستعدوا للقائه. أى: لا ينظرون، فذكرهم ولا تلح عليهم، ولا يهمنك أنهم لا ينظرون ولا يذكرون إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ كقوله إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ بمتسلط، كقوله وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ وقيل: هو في لغة تميم مفتوح الطاء، على أن «سيطر» متعد عندهم. وقولهم: تسيطر، يدل عليه إِلَّا مَنْ تَوَلَّى استثناء منقطع، أى: لست بمستول عليهم، ولكن من تولى وَكَفَرَ منهم، فإن لله الولاية والقهر. فهو يعذبه الْعَذابَ الْأَكْبَرَ الذي هو عذاب جهنم. وقيل. هو استثناء من قوله فَذَكِّرْ أى: فذكر إلا من انقطع طمعك من إيمانه وتولى، فاستحق العذاب الأكبر وما بينهما اعتراض. وقرئ: إلا من تولى، على التنبيه. وفي قراءة ابن مسعود: فإنه يعذبه:

وقرأ أبو جعفر المدني: إيابهم، بالتشديد. ووجهه أن يكون «فيعالا» مصدر «أيب» فيعل من الإياب. أو أن يكون أصله أوابا: فعالا من أوّب، ثم قيل: إيوابا كديوان في دوّان، ثم فعل به ما فعل بأصل: سيد وميت. فإن قلت. ما معنى تقديم الظرف؟ قلت: معناه التشديد في الوعيد، «١» وأن إيابهم ليس إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام، وأن حسابهم ليس بواجب إلا عليه، وهو الذي يحاسب على النقير والقطمير. ومعنى الوجوب: الوجوب في الحكمة. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة الغاشية حاسبه الله حسابا يسيرا» «٢» .


(١) . قال محمود: «إن قلت: ما معنى تقديم الظرف؟ وأجاب بأن معناه التشديد في الوعيد … الخ» قال أحمد: ومعنى ثُمَّ الدلالة على أن الحساب أشد من الإياب، لأنه موجب العذاب وبادرته. [.....]
(٢) . أخرجه الواحدي والثعلبي وابن مردويه بالإسناد إلى أبى بن كعب.