للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على طعام المسكين ويأكلونه أكل الأنعام، ويحبونه فيشحون به وقرئ: يكرمون، وما بعده بالياء والتاء. وقرئ: تحاضون، أى: يحض بعضكم بعضا: وفي قراءة ابن مسعود: ولا تحاضون بضم التاء، من المحاضة أَكْلًا لَمًّا ذا لمّ وهو الجمع بين الحلال والحرام. قال الحطيئة:

إذا كان لمّا يتبع الذّمّ ربّه … فلا قدّس الرّحمن تلك الطّواحنا «١»

يعنى: أنهم يجمعون في أكلهم بين نصيبهم من الميراث ونصيب غيرهم. وقيل: كانوا لا يورّثون النساء ولا الصبيان، ويأكلون تراثهم مع تراثهم. وقيل: يأكلون ما جمعه الميت من الظلمة، وهو عالم بذلك فيلم في الأكل بين حلاله وحرامه. ويجوز أن يذمّ الوارث الذي ظفر بالمال سهلا مهلا، من غير أن يعرق فيه جبينه، فيسرف في إنقاقه، ويأكله أكلا واسعا جامعا بين ألوان المشتهيات من الأطعمة والأشربة والفواكه، كما يفعل الورّاث البطالون حُبًّا جَمًّا كثيرا شديدا مع الحرص والشره ومنع الحقوق.

[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ٢١ الى ٢٦]

كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥)

وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦)

كَلَّا ردع لهم عن ذلك وإنكار لفعلهم. ثم أتى بالوعيد وذكر تحسرهم على ما فرّطوا فيه حين لا تنفع الحسرة، ويومئذ بدل من إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ وعامل النصب فيهما يتذكر دَكًّا دَكًّا دكا بعد دك. كقوله: حسبته بابا بابا، أى: كرّر عليها الدك حتى عادت هباء منبثا.

فإن قلت: ما معنى إسناد المجيء إلى الله، والحركة والانتقال إنما يجوزان على من كان في جهة قلت: هو تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبين آثار قهره وسلطانه: مثلت حاله في ذلك محال الملك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور عساكره كلها ووزرائه وخواصه عن بكرة أبيهم صَفًّا صَفًّا ينزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفا بعد صف محدقين بالجن والإنس وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ كقوله وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ وروى أنها لما


(١) . للحطيئة. واللم: الجمع بين الحلال والحرام من غير فرق. وروى «ربه» بدل «أهله» والطواحن:
الأضراس. وتسمى: الأرحاء جمع وحى، يقول: إذا كان الأكل جمعا، أى: ذا جمع بين الخبيث والطيب يتبع صاحبه الذم، فلا طهر الله تلك الأضراس التي تطحن ذلك المأكول، والدعاء عليها: دعاء على صاحبها.