للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَلَمْ تَرَ تعجيب من محاجة نمروذ في اللَّه وكفره به أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ متعلق بحاج على وجهين «١» :

أحدهما حاجّ لأن آتاه اللَّه الملك، على معنى أن إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر والعتوّ فحاجّ لذلك، أو على أنه «٢» وضع المحاجة في ربه موضع ما وجب عليه من الشكر على أن آتاه اللَّه الملك، فكأن المحاجة كانت لذلك، كما تقول: عاداني فلان لأنى أحسنت إليه، تريد أنه عكس ما كان يجب عليه من الموالاة لأجل الإحسان. ونحوه قوله تعالى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ.

والثاني: حاجّ وقت أن آتاه اللَّه الملك. فان قلت: كيف جاز أن يؤتى اللَّه الملك الكافر؟ قلت: فيه قولان: آتاه ما غلب به وتسلط من المال والخدم والأتباع، وأما التغليب والتسليط فلا. وقيل:

ملكه امتحانا لعباده «٣» . وإِذْ قالَ نصب بحاج أو بدل من آتاه إذ جعل بمعنى الوقت


(١) . قال محمود: «إن آتاه متعلق بحاج على وجهين … الخ» قال أحمد: عفا اللَّه عنه، والوجهان قريبان من حيث المعنى، إلا أن بينهما في الصناعة فرقا، وهو إنما استعمل المصدر في الأول مفعولا من أجله، وفي الثاني ظرفا.
وقد وقعت المصادر ظروفا في مثل: خفوق النجم، ومقدم الحاج، وأمثال ذلك. وإنما وقعت محاجته بهذا الظرف لاشتماله على إيتاء الملك الحامل له على البطر، أو على وضع كفر النعمة فيه مكان شكرها. وهذان المعنيان هما المذكوران في الوجه الأول بعينهما فلهذا نبهت على أن الفرق بين الوجهين صناعى لا معنوي. واللَّه الموفق لمعانى كلامه. [.....]
(٢) . قوله «أو على أنه» لعله: أو على معنى أنه. (ع)
(٣) . قال محمود: «فان قلت كيف جاز أن يؤتى اللَّه الملك الكافر؟ قلت: ذلك على وجهين: أحدهما آتاه ما غلب به وتسلط من المال والخدم والأتباع، فأما التغليب والتسليط فلا. الثاني أن يكون ملكه امتحانا لعباده» قال أحمد: السؤال مبنى وروده على قاعدة فاسدة، وهي اعتقاد وجوب مراعاة ما يتوهمه القدرية صلاحا أو أصلح على اللَّه تعالى في أفعاله، وكل ذلك من أصول القدرية التي اجتثها البرهان القاطع فما لها من قرار. وأما إيراد السؤال على صيغة: لم آتاه اللَّه الملك وهو كافر؟ أولم أفعل كذا وكذا؟ فجواب رده على الإطلاق في قوله تعالى: (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) لو سمع الصم البكم. واللَّه ولى التوفاق. (عاد كلامه) قال ومعنى قوله أنا أحيى وأميت:
أعفو عن القتل وأقتل، وكان الاعتراض عتيداً ولكن إبراهيم عليه السلام لما سمع جوابه الأحمق لم يحاجه فيه ولكنه انتقل إلى ما لا يقدر فيه على مثل ذلك ليبهته أول شيء، وهذا دليل على جواز الانتقال للمجادل من حجة إلى حجة» . قال أحمد: وقد التزم غير واحد من العلماء أن هذا الذي صدر من الخليل عليه الصلاة والسلام ليس بانتقال من الحجة، ولكن من المثال. وأما الحجة فهي استدلاله على ألوهية اللَّه تعالى بتعلق قدرته بما لا يجوز تعلق قدرة الحادث به، ثم هذا له أمثلة منها الأحياء والاماتة، ومنها: الإتيان بالشمس من المشرق. والعدول بعد قيام الحجة وتمهيد القاعدة من مثال إلى مثال ليس ببدع عند أهل الجدل واللَّه أعلم.