للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَسِيحُ لقب من الألقاب المشرفة، كالصدّيق والفاروق، وأصله مشيحا بالعبرانية، ومعناه المبارك، كقوله: (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) وكذلك (عيسى) معرب من أيشوع، ومشتقهما من المسح والعيس، كالراقم في الماء. فإن قلت: (إِذْ قالَتِ) بم يتعلق؟ قلت: هو بدل من (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) ويجوز أن يبدل من (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) على أن الاختصام والبشارة وقعا في زمان واسع، كما تقول: لقيته سنة كذا. فإن قلت: لم قيل: عيسى ابن مريم والخطاب لمريم «١» ؟

قلت: لأنّ الأبناء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات، فأعلمت بنسبته إليها أنه يولد من غير أب فلا ينسب إلا إلى أمه، وبذلك فضلت واصطفيت على نساء العالمين. فإن قلت: لم ذكر ضمير الكلمة؟ قلت لأن المسمى بها مذكر. فإن قلت: لم قيل اسمه المسيح عيسى ابن مريم «٢» ، وهذه ثلاثة أشياء: الاسم منها عيسى، وأما المسيح والابن فلقب وصفة؟ قلت: الاسم للمسمى علامة يعرف بها ويتميز من غيره، فكأنه قيل: الذي يعرف به ويتميز ممن سواه مجموع هذه الثلاثة


(١) . قال محمود: «إن قلت لم قيل عيسى ابن مريم والخطاب لمريم … الخ» قال أحمد: ويحقق هذا الجواب قولها (أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) فانه لم يتقدم في وعد اللَّه لها بالولد ما يدل على أنه من غير أب، إلا أنه لما نسبه إليها دل على أنها فهمت من ذلك كونه من غير أب، واللَّه أعلم.
(٢) . (عاد كلامه) قال: «فان قلت لم قيل اسمه المسيح عيسى ابن مريم … الخ» قال أحمد: وفي هذا التقرير خلاص من إشكال يوردونه فيقولون: المسيح في الآية إن أريد به التسمية وهو الظاهر فما موقع قوله عيسى ابن مريم؟
والتسمية لا توصف بالنبوة، وإن أريد بالمسيح المسمي بهذه التسمية لم يلتئم مع قوله اسمه؟ ويجاب عن الاشكال بأن المسيح خبر عن قوله اسمه، والمراد التسمية، وأما عيسى ابن مريم فخبر مبتدإ محذوف تقديره: هو عيسى ابن مريم، ويكون الضمير عائدا إلى المسمى بالتسمية المذكورة، منقطعاً عن قول المسيح. والذي قرره الزمخشري لا يرد عليه هذا الاشكال، وهو حسن جداً، واللَّه أعلم.