للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا ضرراً مقتصراً على أذى بقول من طعن في الدين أو تهديد أو نحو ذلك وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ منهزمين ولا يضروكم بقتل أو أسر ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ ثم لا يكون لهم نصر من أحد ولا يمنعون منكم. وفيه تثبيت لمن أسلم منهم، لأنهم كانوا يؤذنونهم بالتلهى بهم وتوبيخهم وتضليلهم وتهديدهم بأنهم لا يقدرون أن يتجاوزوا الأذى بالقول إلى ضرر يبالى به، مع أنه وعدهم الغلبة عليهم والانتقام منهم وأنّ عاقبة أمرهم الخذلان والذل. فإن قلت: هلا جزم المعطوف في قوله: (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) ؟ «١» قلت عدل به عن حكم الجزاء إلى حكم الإخبار ابتداء، كأنه قيل: ثم أخبركم أنهم لا ينصرون. فإن قلت: فأى فرق بين رفعه وجزمه في المعنى؟ قلت:

لو جزم لكان نفى النصر مقيداً بمقاتلتهم، كتولية الأدبار. وحين رفع كان نفى النصر وعدا مطلقا، كأنه قال: ثم شأنهم وقصتهم التي أخبركم عنها وأبشركم بها بعد التولية أنهم مخذولون منتف عنهم النصر والقوّة لا ينهضون بعدها بجناح ولا يستقيم لهم أمر وكان كما أخبر من حال بنى قريظة والنضير وبنى قينقاع ويهود خيبر. فإن قلت: فما الذي عطف عليه هذا الخبر؟ قلت: جملة الشرط والجزاء كأنه قيل: أخبركم أنهم إن يقاتلوكم ينهزموا، ثم أخبركم أنهم لا ينصرون. فإن قلت: فما معنى التراخي في ثمَّ؟ قلت: التراخي في المرتبة لأنّ الإخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الإخبار بتوليتهم الأدبار. فإن قلت: ما موقع الجملتين أعنى (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ) و (لَنْ يَضُرُّوكُمْ) ؟ قلت: هما كلامان واردان على طريق الاستطراد عند إجراء ذكر أهل الكتاب، كما يقول القائل: وعلى ذكر فلان فإنّ من شأنه كيت وكيت، ولذلك جاءا من غير عاطف.

[[سورة آل عمران (٣) : آية ١١٢]]

ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢)

بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ في محل النصب على الحال، بتقدير: إلا معتصمين أو متمسكين أو ملتبسين بحبل من اللَّه وهو استثناء من أعم عام الأحوال. والمعنى: ضربت عليهم الذلة في عامّة الأحوال إلا في


(١) . قال محمود: «إن قلت هلا جزم المعطوف في قوله ثم لا ينصرون … الخ» ؟ قال أحمد: وهذا من الترقي في الوعد عما هو أدنى إلى ما هو أعلى، لأنهم وعدوا بتولية عدوهم الأدبار عند المقاتلة، ثم ترقى الوعد إلى ما هو أتم في النجاح من أن هؤلاء لا ينصرون مطلقاً. ويزيد هذا الترقي بدخول ثم دون الواو، فإنها تستعار هاهنا للتراخي في الرتبة لا في الوجود، كأنه قال: ثم هاهنا ما هو أعلى في الامتنان وأسمح في رتب الإحسان، وهو أن هؤلاء قوم لا ينصرون البتة، واللَّه أعلم.