للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«لو» مع ما في حيزه صلة للذين. والمراد بهم: الأوصياء، أمروا بأن يخشوا اللَّه «١» فيخافوا على من في حجورهم من اليتامى ويشفقوا عليهم، خوفهم على ذريتهم لو تركوهم ضعافا وشفقتهم عليهم وأن يقدّروا ذلك في أنفسهم ويصوّروه حتى لا يجسروا على خلاف الشفقة والرحمة. ويجوز أن يكون المعنى: وليخشوا على اليتامى من الضياع. وقيل: هم الذين يجلسون إلى المريض فيقولون: إن ذريتك لا يغنون عنك من اللَّه شيئا، فقدم مالك، فيستغرقه بالوصايا، فأمروا بأن يخشوا ربهم، أو يخشوا على أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولاد أنفسهم لو كانوا. ويجوز أن يتصل بما قبله وأن يكون أمراً بالشفقة للورثة على الذين يحضرون القسمة من ضعفاء أقاربهم واليتامى والمساكين وأن يتصوّروا أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضائعين محتاجين، هل كانوا يخافون عليهم الحرمان والخيبة؟ فإن قلت: ما معنى وقوع لَوْ تَرَكُوا وجوابه صلة للذين؟ قلت: معناه:

وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافا، وذلك عند احتضارهم خافوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم، كما قال القائل:

لَقَدْ زَادَ الْحَيَاةَ إلَىَّ حُبًّا … بَنَاتِى إنَّهُنَّ مِنَ الضِّعَافِ

أُحَاذِرُ أَن يَرَيْنَ الْبُؤْسَ بَعْدِى … وَأَنْ يَشْرَبْنَ رَنْقاً بَعْدَ صَافِى «٢»

وقرئ: ضعفاء. وضعافى، وضعافى. نحو: سكارى، وسكارى. والقول السديد من الأوصياء: أن لا يؤذوا اليتامى ويكلموهم كما يكلمون أولادهم بالأدب الحسن والترحيب، ويدعوهم بيا بنىّ ويا ولدى، ومن الجالسين إلى المريض أن يقولوا له إذا أراد الوصية: لا تسرف في وصيتك فتجحف بأولادك، مثل قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لسعد: «إنك إن تترك ولدك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس «٣» » وكان الصحابة رضى اللَّه عنهم يستحبون أن لا تبلغ الوصية الثلث وأن الخمس أفضل من الربع والربع أفضل من الثلث. ومن المتقاسمين ميراثهم أن


(١) . قال محمود: «المراد الأوصياء أمروا بأن يخشوا اللَّه … الخ» قال أحمد: وإنما ألجأه إلى تقدير (تَرَكُوا) بقوله: شارفوا أن يتركوا لأن جوابه قوله: (خافُوا عَلَيْهِمْ) والخوف عليهم إنما يكون قبل تركهم إياهم وذلك في دار الدنيا، فقد دل على أن المراد بالترك الاشراف عليه ضرورة، وإلا لزم وقوع الجواب قبل الشرط وهو باطل، ونظيره (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أى شارفن بلوغ الأجل، ولهذا المجاز في التعبير عن المشارفة على الترك بالترك سر بديع، وهو التخويف بالحالة التي لا يبقى معها مطمع في الحياة ولا في الذب عن الذرية الضعاف، وهي الحالة التي وإن كانت من الدنيا إلا أنها لقربها من الآخرة ولصوقها بالمفارقة صارت من حيزها ومعبراً عنها بما يعبر به عن الحالة الكائنة بعد المفارقة من الترك، واللَّه أعلم.
(٢) . تقدم شرح هذه الشواهد بصفحة ٤٠٤ من هذا الجزء فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٣) . متفق عليه من حديث سعد بن أبى وقاص في قصة.