للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قرئ (يُدْرِكْكُمُ) بالرفع وقيل: هو على حذف الفاء، «١» كأنه قيل: فيدرككم الموت، وشبه بقول القائل

مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا «٢»

ويجوز أن يقال: حمل على ما يقع موقع (أَيْنَما تَكُونُوا) ، وهو أينما كنتم، كما حمل «ولا ناعب» على ما يقع موقع «ليسوا مصلحين» «٣» وهو ليسوا بمصلحين، فرفع كما رفع زهير:

يَقُولُ لَا غَائِبٌ مَالِى وَلَا حَرِمُ «٤»


(١) . قال محمود: «قرئ يدرككم بالرفع. وقيل: هو على حذف الفاء … الخ» قال أحمد: أما الوجه الذي ألحقه بتوجيه سيبويه في الشعرين المذكورين ففيه نظر. أما قوله «ولا ناعب» فمختار، فان دخول الباء في خبر ليس أمر مطرد غالب، والخبر وطن معروف لها، فإذا قدرت فيه حيث تسقط، روعي هذا التقدير في المعطوف، لما ذكرناه من الغلبة التي تقتضي إلحاق دخولها بالأصل الواجب الذي يعتبر، نطق به أو سكت عنه. وأما تقدير (أَيْنَما تَكُونُوا) في معنى كلام آخر، يرتفع معه قوله: (يُدْرِكْكُمُ) ، فذلك تقدير لم يعهد له نظير، ولم يغلب هذا المقدر فيلتحق بغلبة دخول الباء في الخبر، فلا يلزم من مراعاة ما يقتضيه غالب الاستعمال ومعهوده مراعاة ما لم يسبق به عهد.
وأما البيت الآخر لزهير، فالمنقول عن سيبويه حمله أو حمل مثله على التقديم والتأخير، كقوله:
يا أقرع بن حابس يا أقرع … إنك إن يصرع أخوك تصرع
فليس من قبيل «ولا ناعب» واللَّه الموفق. وفي الوجه الأخير الذي أبداه الزمخشري حجة واضحة على أن القتل في المعارك والملاحم لا يعترض على الأجل المقدر بنقص، وأن كل مقتول فبأجله مات، لا كما يزعمه القدرية، واللَّه الموفق.
(٢) .
من يفعل الحسنات اللَّه يشكرها … الشر بالشر عند اللَّه مثلان
فإنما هذه الدنيا وزينتها … كالزاد لا بد يوما أنه فان
لعبد الرحمن بن حسان. وقيل: لعبد اللَّه بن حسان. وقيل: لكعب بن مالك الأنصارى. يقول: من يفعل الحسنات فاللَّه يشكرها، أى يجازيه عليها أضعافا، فأسقط الفاء من جواب الشرط وهو قليل. وقيل: مخصوص بالشعر. وعن المبرد منه مطلقا، وزعم أن الرواية «من يفعل الخير فالرحمن يشكره» والشر ملتبس بالشر أو حاصل به، ثم قال: هما متماثلان عند اللَّه لا يزيد الجزاء على الذنب. أو الباء بمعنى مع، أى الشر مع الشر مثلان عند اللَّه، لكن الأول الذنب، والثاني جزاؤه. وسمى شرا مشاكلة. وروى «سيان» بدل «مثلان» فان زينة الدنيا من المال والبنون ليست إلا مثل الزاد الذي يتزود به إلى بلوغ المعاد. ولا بد من فنائه يوما من الأيام، فلا بد من فنائها. فيوما: ظرف لفان.
(٣) . قوله كما حمل «ولا ناعب» على ما يقع موقع «ليسوا مصلحين» هو من قول الشاعر:
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة … ولا ناعب إلا يبين غرابها
(ع)
(٤) .
هو الجواد الذي يعطيك نائله … عفوا ويظلم أحيانا فينظلم
وإن أتاه خليل يوم مسغبة … يقول لا غائب مالى ولا حرم
لزهير بن أبى سلمى، يمدح هرم بن سنان. والسائل: العطاء. وعفوا: حال منه، أى سهلا عليه، أى قليلا عنده وإن كثر في الواقع، أو بغير سؤال. ويظلم: أى يسأل فوق طاقته فيتكلف ويعطى. ويروى: فيظلم، وأصله:
يظتلم، مطاوع ظلمه. قلبت تاؤه طاء على الأصل في تاء الافتعال بعد المطبقة، ثم قلبت الطاء ظاء معجمة على خلاف الأصل في القلب للادغام، وأدغمت فيها الأولى. وروى «فيطلم» وأصله: يظتلم أيضا، قلبت التاء طاء مهملة، ثم قلبت الظاء طاء مهملة أيضا على القياس وأدغمت في الثانية وروى «فيظطلم» بهما معا. وقوله «أحيانا» فيه نوع احتراس من توهم وصفه بالعقر المستمر. «وإن أتاه خليل» أى متصف بالخلة- بالفتح- وهي الفقر والفاقة يبيح له أمواله ولا يتعلل. فقوله «يقول … إلى آخره» كناية عن ذلك، وهو جواب الشرط. ورفع لأن الشرط ماض لم يؤثر العامل في لفظه الجزم، وقد يرفع جواب الشرط المضارع لتخيل أنه ماض، كمسئلة العطف على التوهم. وقيل إنه على تقدير الفاء، أى فهو يقول. وقيل: التقدير يقول: لا غائب مالى إن أتاه خليل فالجواب محذوف دل عليه المذكور، وهو قول سيبويه، وما قبله قول الكوفيين، وروى عنه أيضا. و «المسغبة» الجوع. و «حرم» كحذر، مصدر حرمه إذا منعه. والمراد به المفعول، أى ليس محروما وممنوعا عن السائلين. ويجوز أنه صفة مشبهة، كحذر وفرح بمعنى صنع. ولو قرئ «حرم» بالفتح بمعنى حرام، كزمن وزمان لجاز. وغايته أن يكون في القافية السناد.