للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غَيْرَ الْحَقِّ صفة للمصدر أى لا تغلوا في دينكم غلوا غير الحق «١» أى غلواً باطلا لأنّ الغلو في الدين غلوّ ان غلوّ حق، وهو أن يفحص عن حقائقه ويفتش عن أباعد معانيه، ويجتهد في تحصيل حججه كما يفعل المتكلمون من أهل العدل والتوحيد رضوان اللَّه عليهم. وغلوّ باطل وهو أن يتجاوز الحق ويتخطاه بالإعراض عن الأدلة واتباع الشبه، كما يفعل أهل الأهواء والبدع قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ هم أئمتهم في النصرانية، كانوا على الضلال قبل مبعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم وَأَضَلُّوا كَثِيراً ممن شايعهم على التثليث وَضَلُّوا لما بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ حين كذبوه وحسدوه وبغوا عليه.

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٧٨ الى ٨١]

لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩) تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (٨٠) وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٨١)

نزّل اللَّه لعنهم في الزبور عَلى لِسانِ داوُدَ وفي الإنجيل على لسان عيسى. وقيل إن أهل أيلة، لما اعتدوا في السبت قال داود عليه السلام: اللهم العنهم واجعلهم آية، فمسخوا قردة. ولما كفر أصحاب عيسى عليه السلام بعد المائدة قال عيسى عليه السلام اللهم عذب من كفر بعد ما أكل من المائدة عذاباً لم تعذبه أحداً من العالمين، والعنهم كما لعنت أصحاب السبت، فأصبحوا خنازير


(١) . قال محمود: «معناه لا تغلوا في دينكم غلواً باطلا … الخ» قال أحمد: يعنى بأهل العدل والتوحيد المعتزلة، ويعنى بغلوهم الذي هو حق عنده أنهم غلوا في التوحيد فجحدوا الصفات الالهية، وغلوا في التعديل فنفوا أكثر الأفعال بل كلها عن أن تكون مخلوقة للَّه تعالى لانطوائها في مفاسد ولأن اللَّه تعالى يعاقب على ما هو قبيح منها، والعدل عندهم أن لا يعاقب على فعل خلقه فهذا غلوهم في التعديل، وهو كما ترى أنه كاسد عن التوحيد لأنهم جعلوا كل مخلوق من الحيوانات خالقاً، فالنصارى غلوا فأشركوا ثلاثة، والمعتزلة كما رأيت أشركوا كل أحد بل غير الآدميين في الخلق الذي هو خاص بالرب. ويعنى الزمخشري بأهل البدع والأهواء من عدا الطائفة المذكورة، ويعنى بغلوهم الباطل إثبات الصفات للَّه تعالى وتوحيده على الحق، حتى لا خالق سواه ولا مخلوق إلا بقدرته، وقد ترضى عن شيعته وإخوانه وسكت عن ذكر من عداهم، ونحن نقول: اللهم ارض عمن هو أحق الطوائف برضاك، وهذه دعوة أيضا بلا خلاف، واللَّه الموفق.