للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنه وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرنى أن أصبر نفسي مع قوم من أمتى. معكم المحيا ومعكم الممات ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كقوله إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي وذلك أنهم طعنوا في دينهم وإخلاصهم، فقال ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ بعد شهادته لهم بالإخلاص وبإرادة وجه الله في أعمالهم على معنى: وإن كان الأمر على ما يقولون عند الله، فما يلزمك إلا اعتبار الظاهر والاتسام بسيمة «١» المتقين، وإن كان لهم باطن غير مرضى فحسابهم عليهم لازم لهم لا يتعدّاهم إليك، كما أن حسابك عليك لا يتعدّاك إليهم، كقوله وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى. فإن قلت:

أما كفى قوله ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى ضم إليه وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ؟

قلت: قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة، وقصد بهما مؤدى واحد وهو المعنىّ في قوله وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ولا يستقل بهذا المعنى إلا الجملتان جميعاً، كأنه قيل: لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه. وقيل: الضمير للمشركين. والمعنى: لا يؤاخذون بحسابك ولا أنت بحسابهم، حتى يهمك إيمانهم ويحرّك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين فَتَطْرُدَهُمْ جواب النفي فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ جواب النهى. ويجوز أن يكون عطفا على فَتَطْرُدَهُمْ على وجه التسبيب، لأن كونه ظالما مسبب عن طردهم. وقرئ: بالغدوة والعشى.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ٥٣]]

وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣)

وَكَذلِكَ فَتَنَّا ومثل ذلك الفتن العظيم، فتنا بعض الناس ببعض، أى ابتليناهم بهم. وذلك أنّ المشركين كانوا يقولون للمسلمين أَهؤُلاءِ الذين مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أى أنعم عليهم بالتوفيق لإصابة الحق ولما يسعدهم عنده من دوننا، ونحن المقدمون والرؤساء، وهم العبيد والفقراء، إنكاراً لأن يكون أمثالهم على الحق وممنونا عليهم من بينهم بالخير، ونحوه أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا، لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ. ومعنى فتناهم ليقولوا ذلك: خذلناهم «٢» فافتتنوا، حتى كان افتتانهم سببا لهذا القول، لأنه لا يقول مثل قولهم هذا إلا مخذول مفتون أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ أى الله أعلم بمن يقع منه الإيمان والشكر فيوفقه للإيمان. وبمن يصمم على كفره فيخذله ويمنعه التوفيق.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ٥٤]]

وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤)


(١) . قوله «بسيمة» لعله «بسمة» . (ع)
(٢) . قوله «خذلناهم فافتتنوا» فسر بهذا على مذهب المعتزلة: أنه تعالى لا يخلق الشر. وعند أهل السنة يخلق الشر كالخير. (ع)