للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَوْ فِسْقاً عطف على المنصوب قبله. سمى ما أهلّ به لغير الله فسقاً لتوغله في باب الفسق.

ومنه قوله تعالى وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وأهل: صفة له منصوبة المحل.

ويجوز أن يكون مفعولا له من أهلّ، أى أهلّ لغير الله به فسقاً. فإن قلت: فعلام تعطف أُهِلَّ؟ وإلام يرجع الضمير في بِهِ على هذا القول؟ قلت: يعطف على يكون، ويرجع الضمير إلى ما يرجع إليه المستكنّ في يكون فَمَنِ اضْطُرَّ فمن دعته الضرورة إلى أكل شيء من هذه المحرّمات غَيْرَ باغٍ على مضطر مثله تارك لمواساته وَلا عادٍ متجاوز قدر حاجته من تناوله فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لا يؤاخذه.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٤٦ الى ١٤٧]

وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧)

«ذو الظفر» ما له أصبع من دابة أو طائر، وكان بعض ذات الظفر حلالا لهم، فلما ظلموا حرّم ذلك عليهم فعمّ التحريم كل ذى ظفر بدليل قوله فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وقوله وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما كقولك: من زيد أخذت ماله، تريد بالإضافة زيادة الربط. والمعنى أنه حرّم عليهم لحم كل ذى ظفر وشحمه وكل شيء منه، وترك البقر والغنم على التحليل لم يحرّم منهما إلا الشحوم الخالصة، وهي الثروب «١» وشحوم الكلى.

وقوله إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما يعنى إلا ما اشتمل على الظهور والجنوب من السحقة «٢» أَوِ الْحَوايا أو اشتمل على الأمعاء أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ وهو شحم الإلية. وقيل الْحَوايا عطف على شحومهما. و «أو» بمنزلتها في قولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين ذلِكَ الجزاء جَزَيْناهُمْ وهو تحريم الطيبات بِبَغْيِهِمْ بسبب ظلمهم «٣» وَإِنَّا لَصادِقُونَ

فيما أوعدنا


(١) . قوله «الثروب» هي شحوم رقيقة قد غشيت الكرش والأمعاء، كذا في الصحاح. (ع)
(٢) . قوله «من السحقة» السحقة: الشحمة الملتزقة بالجلد على الظهر من الكتف إلى الورك، نقله في الصحاح. (ع)
(٣) . قال محمود: معناه ذلك الجزاء جزيناهم ببغيهم بسبب ظلمهم … الخ» قال أحمد: هذه الآية وردت فيمن كفر وافترى على الله ووعيد الكافر باتفاق واقع به غير مردود عنه. وأهل السنة وإن قالوا: يجوز العفو عن العاصي الموحد، فلا يقولون إن ذلك حتم، ولا يلزمهم ذلك، لأن الله تعالى حيث توعد المؤمنين العصاة، علق حلول الوعيد بهم بالمشيئة، وأخبر أنه يغفر لمن يشاء منهم، فمن ثم اعتقدنا أن كل موحد عاص في المشيئة، وحيث أطلق وعيدهم في بعض الظواهر فهو محمول على المقيد، فلا يلزمهم حينئذ اعتقاد الخلف في الخبر. والزمخشري إنما يدندن حول إلزامهم ذلك وأنى له.