للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَذْؤُماً من ذأمه إذا ذمّه. وقرأ الزهري: مذوما بالتخفيف، مثل مسول في مسؤل.

واللام في لَمَنْ تَبِعَكَ موطئة للقسم. ولَأَمْلَأَنَّ جوابه، وهو سادّ مسدّ جواب الشرط مِنْكُمْ منك ومنهم، نغلب ضمير المخاطب، كما في قوله إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ. وروى عصمة عن عاصم: لمن تبعك، بكسر اللام، بمعنى: لمن تبعك منهم هذا الوعيد، وهو قوله لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ، على أن لَأَمْلَأَنَّ في محل الابتداء، ولَمَنْ تَبِعَكَ خبره.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٩ الى ٢٢]

وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢)

وَيا آدَمُ وقلنا يا آدم. وقرئ: هذى الشجرة، والأصل الياء، والهاء بدل منها. ويقال:

وسوس، إذا تكلم كلاماً خفيا يكرره. ومنه وسوس الحلىّ، وهو فعل غير متعدّ، كولولت المرأة ووعوع الذئب، ورجل موسوس- بكسر الواو- ولا يقال موسوس بالفتح، ولكن موسوس له، وموسوس إليه، وهو الذي تلقى إليه الوسوسة. ومعنى وسوس له: فعل الوسوسة لأجله، ووسوس إليه: ألقاها إليه لِيُبْدِيَ جعل ذلك غرضاً له ليسوءهما إذا رأيا ما يؤثران ستره وأن لا يطلع عليه مكشوفاً. وفيه دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور «١» وأنه


(١) . قال محمود: «فيه دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور … الخ» قال أحمد: وفي هذه الكلمات أيضا جنوح إلى قاعدة الاعتزال في أمرين، أحدهما: قوله إن كشف العورة لم يزل مستقبحا في العقول، فانه ينشأ عن اعتقاده أن القبح والتحسين بالعقل وإن جاز أن يصدر هذا الكلام من المعتقد لعقيدة السنة، إلا أنه لا يريد به ظاهره، إذ التحسين والتقبيح إنما يدركان بالشرع والسمع لا بالعقل. ومعنى هذا الإطلاق ولو صدر من سنى:
أن العقل يدرك المعنى الذي لأجله حسن الشرع الستر وقبح الكشف. الأمر الثاني: استدلاله على تفضيل الملائكة على الأنبياء وقد مضى أن ذلك معتقد المعتزلة وإن كان بعض أهل السنة قد مال إليه والجواب ممن يعتقد تفضيل الأنبياء أنه لا يلزم من اعتقاد إبليس ذلك ووسوسته بأن الملائكة أفضل أن يكون الأمر كذلك في علم الله تعالى. ألا ترى إبليس لعنه الله قد أخبر أن الله تعالى منعهما من الشجرة حتى لا يخالدا أولا يكونا ملكين؟ وهو في ذلك كاذب مبطل، فلا دليل فيه، إذ ليس في الآية ما يوجب تقرير الله تعالى لا بليس على ذلك ولا تصديقه فيه، بل ختمت الآية بما يدل على أنه كذب لهما وغرهما، إذ قال الله تعالى عنه فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فلعل تفضيله الملكية على النبوة من جملة غروره، والله أعلم.