للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولك: متى ما تخرج أخرج، أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ، فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ إلا أنّ الألف قلبت هاء استثقالا لتكرير المتجانسين وهو المذهب السديد البصري، ومن الناس من زعم أن «مه» هي الصوت الذي يصوت به الكاف، و «ما» للجزاء، كأنه قيل: كف ما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين. فإن قلت: ما محل مهما؟ قلت: الرفع بمعنى: أيما شيء تأتنا به. أو النصب، بمعنى: أيما شيء تحضرنا «١» تأتنا به. ومن آية: تبيين لمهما. والضميران في بِهِ وبِها راجعان إلى مهما، إلا أنّ أحدهما ذكر على اللفظ، والثاني أنث على المعنى، لأنه في معنى الآية. ونحوه قول زهير:

ومهما يكن عند امرئ من خليقة … وإن خالها تخفى على النّاس تعلم «٢»

وهذه الكلمة في عداد الكلمات التي يحرفها من لا يد له في علم العربية، فيضعها غير موضعها، ويحسب مهما بمعنى متى ما، ويقول مهما جئتني أعطيتك، وهذا من وضعه، وليس من كلام واضع العربية في شيء، ثم يذهب فيفسر مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ بمعنى الوقت، فيلحد في آيات الله وهو لا يشعر، وهذا وأمثاله مما يوجب الجثوّ بين يدي الناظر في كتاب سيبويه. فإن قلت: كيف سموها آية، ثم قالوا لتسحرنا بها؟ قلت: ما سموها آية لاعتقادهم أنها آية، وإنما سموها اعتباراً لتسمية موسى، وقصدوا بذلك الاستهزاء والتلهي الطُّوفانَ ما طاف بهم وغلبهم من مطر أو سيل. قيل: طغى الماء فوق حروثهم، وذلك أنهم مطروا ثمانية أيام في ظلمة شديدة، لا يرون


(١) . قوله «أيما شيء تحضرنا» لعله تحضر فقط. (ع)
(٢) . لزهير بن أبى سلمى من معلقته. ومهما: اسم شرط بمعنى أى شيء على المختار، فلذلك يعود عليه الضمير، ثم إن كان المراد به مؤنثا كما هنا، فتارة يعود عليه الضمير مذكراً باعتبار اللفظ كما في قوله «يكن» وتارة مؤنثا باعتبار المعنى كما في قوله «وإن خالها» ولم يجعل هذا عائداً على الخليقة، لأن «مهما» هو المحدث عنه، و «من خليقة» بيان له. ولما بين بالمؤنث حسن تأنيث ضميره بعد بيانه. يقول: أى طبيعة وسجية تكون في الإنسان تعلم الناس بأماراتها، وإن ظنها خافية عليهم.