للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ لمة منه مصدر، من قولهم: طاف به الخيال يطيف طيفاً. قال:

أنَّى ألَمَّ بِكَ الْخَيَالُ بَطِيفُ «١»

أو هو تخفيف طيف فيعل، من طاف يطيف كلين. أو من طاف يطوف كهين. وقرئ: طائف، وهو يحتمل الأمرين أيضاً. وهذا تأكيد وتقرير لما تقدم من وجوب الاستعاذة بالله عند نزغ الشيطان، وأنّ المتقين هذه عادتهم: إذا أصابهم أدنى نزغ من الشيطان وإلمام بوسوسته تَذَكَّرُوا ما أمر الله به ونهى عنه، فأبصروا السداد ودفعوا ما وسوس به إليهم ولم يتبعوه أنفسهم. وأما إخوان الشياطين الذين ليسوا بمتقين، فإن الشياطين يمدونهم في الغى، أى يكونون مدداً لهم فيه ويعضدونهم. وقرئ: يمُدّونهم من الامداد. ويمادّونهم، بمعنى يعاونونهم ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ ثم لا يمسكون عن إغوائهم حتى يصروا ولا يرجعوا. وقوله وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ كقوله:

قَوْمٌ إذَا الْخَيْلُ جَالُوا فِى كَوَاثِبِهَا «٢»

في أنّ الخبر جار على ما هو له. ويجوز أن يراد بالإخوان الشياطين، ويرجع الضمير المتعلق به إلى الجاهلين، فيكون الخبر جاريا على ما هو له، والأوّل أوجه، لأن إخوانهم في مقابلة الذين اتقوا. فإن قلت: لم جمع الضمير في إخوانهم والشيطان مفرد؟ قلت: المراد به الجنس، كقوله أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ.


(١) .
أنى ألم به الخيال يطيف … ومطافه بك ذكرة وشغوف
لكعب بن زهير. وأنى: استفهام تعجبي بمعنى كيف، أو من أين. وألم: أى نزل للزيارة. والخيال: ما يراه النائم. وطاف به الخيال يطيف طيفا ومطافا: أقبل عليه. وطاف حوله يطوف طوافا وطوفانا: حام عليه ودار حوله، ويكنى به عن اللمس. وقوله «يطيف» جملة حالية مؤكدة أو مؤسسة. ومطافه: أى طيفه هو سبب التذكر ووصول الحب لشغاف القلب، فأقام المسبب مقام السبب، وعبر عن نفسه أولا بضمير الغيبة، وثانيا بالخطاب. على طريق الالتفات فرارا من شبهة التكرار. وروى بك بالخطاب.
(٢) .
قوم إذا الخيل جالوا في كواثبها … فوارس الخيل لا ميل ولا قدم
«الخيل» الأفراس. و «الكاثبة» الفرس القربوس، وللبعير الغارب، والرجل الكاهل. والحمار السيسيا.
و «الميل» جمع أميل، وهو الذي لا يثبت على ظهر فرسه. والقدم: جمع أقدم، وهو اللئيم الضعيف. أو جمع قدم بالسكون بمعناه. وضمير «جالوا» للقوم، فجرى الخبر على غير ما هو له. أى إذا الخيل جالوا هم في سروجها وما يبرز الضمير هكذا، لأن محل وجوبه في الصفة لا الفعل، أو لأمن اللبس، لأن الواو ضمير العقلاء. فان قيل:
إن «إذا» لا تضاف إلا الجملة الفعلية، فالخيل فاعل فعل محذوف. أجيب بمنع أنها لا تضاف إلا للفعلية، وبأن ذلك في الشرطية لا الظرفية كما هنا. وقيل: يحتمل على بعد أن الخيل بمعنى الفرسان، وضمير كواثبها للأفراس المدلول عليها بذكر الخيل: أى قوم إذا الفرسان جالوا في كواثب الأفراس، فوارس الخيل، ثابتون عليها لا مائلون عن ظهورها، ولا عاجزون كأن أيديهم مغلولة.