للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا لكل من كان له تجارة في العير: أعينوا بهذا المال على حرب محمد، لعلنا ندرك منه ثأرنا بما أصيب منا ببدر. وقيل: نزلت في أبى سفيان وقد استأجر ليوم أحد ألفين من الأحابيش سوى من استجاش من العرب، وأنفق عليهم أربعين أوقية. والأوقية اثنان وأربعون مثقالا لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أى كان غرضهم في الإنفاق الصدّ عن اتباع محمد وهو سبيل الله، وإن لم يكن عندهم كذلك ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً أى تكون عاقبة إنفاقها ندماً وحسرة، فكأنّ ذاتها تصير ندما وتنقلب حسرة ثُمَّ يُغْلَبُونَ آخر الأمر وإن كانت الحرب بينهم وبين المؤمنين سجالا قبل ذلك فيرجعون طلقاء «١» كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي. وَالَّذِينَ كَفَرُوا والكافرون منهم إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ لأنّ منهم من أسلم وحسن إسلامه لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ الفريق الخبيث من الكفار مِنَ الفريق الطَّيِّبِ من المؤمنين، فيجعل الفريق الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً عبارة عن الجمع والضم، حتى يتراكبوا، كقوله تعالى: كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً يعنى لفرط ازدحامهم أُولئِكَ إشارة إلى الفريق الخبيث، وقيل: ليميز المال الخبيث الذي أنفقه المشركون في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من المال الطيب الذي أنفقه المسلمون كأبى بكر وعثمان في نصرته فَيَرْكُمَهُ فيجعله في جهنم في جملة ما يعذّبون به، كقوله فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ … الآية، واللام على هذا متعلقة بقوله ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً وعلى الأوّل بيحشرون، وأولئك: إشارة إلى الذين كفروا. وقرئ: ليميز على التخفيف.

[[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٨]]

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨)

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا من أبى سفيان وأصحابه. أى قل لأجلهم هذا القول وهو إِنْ يَنْتَهُوا ولو كان بمعنى خاطبهم به لقيل: إن تنتهوا يغفر لكم، وهي قراءة ابن مسعود. ونحوه:

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ خاطبوا به غيرهم لأجلهم ليسمعوه، أى إن ينتهوا عماهم عليه من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتاله بالدخول في الإسلام يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ لهم من العداوة وَإِنْ يَعُودُوا لقتاله فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ منهم الذين حاق بهم مكرهم يوم بدر. أو فقد مضت سنة الذين تحزّبوا على أنبيائهم من الأمم فدمّروا، فليتوقعوا مثل ذلك إن لم ينتهوا. وقيل: معناه أنّ الكفار إذا انتهوا عن


(١) . قوله «فيرجعون طلقاء» في الصحاح «الطليق» الأسير الذي أطلق عنه إساره وخلى سبيله. (ع)