للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التشريد من ورائهم، لأنه إذا شرد الذين وراءهم فقد فعل التشريد في الوراء وأوقعه فيه، لأن الوراء جهة المشردين، فإذا جعل الوراء ظرفا للتشريد فقد دلّ على تشريد من فيه، فلم يبق فرق بين القراءتين لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ لعلّ المشردين من ورائهم يتعظون.

[[سورة الأنفال (٨) : آية ٥٨]]

وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨)

وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ معاهدين خِيانَةً ونكثا بأمارات تلوح لك فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ فاطرح إليهم العهد عَلى سَواءٍ على طريق مستو قصد، وذلك أن تظهر لهم نبذ العهد وتخبرهم إخباراً مكشوفا بينا أنك قطعت ما بينك وبينهم، ولا تناجزهم الحرب وهم على توهم بقاء العهد فيكون ذلك خيانة منك إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ فلا يكن منك إخفاء نكث العهد والخداع وقيل: على استواء في العلم بنقض العهد. وقيل على استواء في العداوة. والجار والمجرور في موضع الحال، كأنه قيل: فانبذ إليهم ثابتاً على طريق قصد سوى، أو حاصلين على استواء في العلم أو العداوة، على أنها حال من النابذ والمنبوذ إليهم معاً.

[[سورة الأنفال (٨) : آية ٥٩]]

وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩)

سَبَقُوا أفلتوا وفاتوا من أن يظفر بهم إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ إنهم لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزاً عن إدراكهم. وقرئ: أنهم، بالفتح، بمعنى: لأنهم، كل واحدة من المكسورة والمفتوحة تعليل، إلا أن المكسورة على طريقة الاستئناف، والمفتوحة تعليل صريح وقرى:

يعجزون، بالتشديد. وقرأ ابن محيصن: يعجزون، بكسر النون. وقرأ الأعمش: ولا تحسب الذين كفروا، بكسر الباء وبفتحها، على حذف النون الخفيفة. وقرأ حمزة: ولا يحسبن بالياء على أن الفعل للذين كفروا. وقيل فيه: أصله أن سبقوا، فحذفت أن، كقوله وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ واستدل عليه بقراءة ابن مسعود رضى الله عنه: أنهم سبقوا. وقيل: وقع الفعل على أنهم لا يعجزون، على أن «لا» صلة، وسبقوا في محل الحال، بمعنى سابقين أى مفلتين هاربين. وقيل معناه: ولا يحسبنهم الذين كفروا سبقوا، فحذف الضمير لكونه مفهوما. وقيل: ولا يحسبن قبيل المؤمنين الذين كفروا سبقوا. وهذه الأقاويل كلها متمحلة، وليست هذه القراءة التي تفرد بها حمزة بنيرة. وعن الزهري أنها نزلت فيمن أفلت من فل المشركين.