للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنّك بنعت التوحيد «١» ، واقف على بساط التفريد، ومتى يصحّ ذلك، ومتى يسلم لك أن يكون لك معتمد تتوكأ عليه، ومستند عليه تستعين، وبه تنتفع؟

ثم قال: «وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى» : أوّل قدم فى الطريق ترك كلّ سبب، والتّنقّى عن كل طلب فكيف كان يسلم له أن يقول: أفعل بها، وأمتنع «٢» ، ولى فيها مآرب أخرى.

ويقال ما ازداد موسى- عليه السلام- تفصيلا فى انتفاعه بعصاه إلا كان أقوى وأولى بأن يؤمن بإلقائها، والتنقى عن الانتفاع بها على موجب التفرّد لله.

ويقال التوحيد التجريد، وعلامة صحته سقوط الإضافات «٣» بأسرها فلا جرم لما ذكر موسى- عليه السلام- ذلك أمر بإلقائها فجعلها الله حيّة تسعى، وولّى موسى هاربا ولم يعقّب. وقيل له يا موسى هذه صفة العلاقة إذا كوشف صاحبها بسرّها يهرب منها.

ويقال لمّا باسطه الحقّ بسماع كلامه أخذته أريحية سماع الخطاب، فأجاب عما يسأل وعمّا لم يسأل فقال: «وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى» ، وذكر وجوها من الانتفاع منها أنه قال تؤنسني «٤» فى حال وحدتي، وتضىء لى الليل إذا أظلم، وتحملني إذ عييت فى الطريق فأركبها، وأهشّ بها على غنمى، وتدفع عنى عدوّى. وأعظم مأرب لى فيها أنّك قلت: «وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ؟» وأية نعمة أو مأرب أو منفعة تكون أعظم من أن تقول لى: وما تلك؟ ويقال قال الحقّ- بعد ما عدّد موسى وجوه الآيات وصنوف انتفاعه بها- ولك يا موسى فيها أشياء أخرى أنت غافل عنها وهى انقلابها حية، وفى ذلك لك معجزة وبرهان صدق.


(١) إذا صح نقل هذه العبارة عن الأصل فالقشيرى يقصد بها (فإنك موحد) ، والموحد أعلى درجات العارفين.
(٢) أي تكون لى بها منعة وقوة، وربما كانت (وأنتفع) وكلاهما صحيح فى المعنى.
(٣) سقوط الإضافات أي لا يقول لى ولا بي ولا منى- وهذه آية صحة التوحيد عندهم (أنظر الرسالة ص ١٤٩) .
(٤) وردت (تسعى) ، وقد وجدنا (تؤنسني) أقرب إلى المعنى وإن كانت بعيدة فى الرسم، فآثرناها ونبهنا إلى الأصل. أو ربما سقطت (معى) بعد (تسعى) ويكون السياق آنذاك منسجما.

<<  <  ج: ص:  >  >>