للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلّ أحد يقول يومئذ نفسى نفسى ونبيّنا صلّى الله عليه وسلّم يقول: أمتى أمتى «١» .

قوله جل ذكره:

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٢٤]]

وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)

البلاء تحقيق الولاء، فأصدقهم ولاء أشدّهم بلاء.

ولقد ابتلى الحق- سبحانه- خليله عليه السّلام بما فرض عليه وشرع له، فقام بشرط وجوبها، ووفّى بحكم مقتضاها، فأثنى عليه سبحانه بقوله: «وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى» - من التوقية- أي لم يقصّر بوجه البتة.

يقال حمّله أعباء النبوة، وطالبه بأحكام الخلّة، وأشد بلاء له كان قيامه بشرائط الخلة، والانفراد له بالتجافي عن كل واحد وكل شىء، فقام بتصحيح ذلك مختليا عن جميع ما سواه، سرّا وعلنا. «٢»

كذلك لم يلاحظ جبريل عليه السّلام حين تعرض له وهو يقذف فى لجة الهلاك، فقال:

هل من حاجة؟ فقال: أمّا إليك.... فلا.

ومن كمال بلائه تعرض جبريل عليه السّلام فى تلك الحالة، وأي بقية كانت بقيت له منه حتى يكون لمخلوق فيه مساغ كائنا من كان؟!


(١) أخطأ الناسخ حين نقلها «كل عهد يقول ... والصواب» كل أحد ... وقد سمع القشيري هذه العبارة من أستاذه الدقاق- كما يقول فى رسالته فى باب الفتوة.
(٢) هذا هو رأى القشيري فى «الخلّة» ، ونرى لزاما علينا أن ننبه إلى بعض الآراء الأخرى فيها.
فالمعتزلة- الذين يبتعدون عن كل ما يحمل على التشبيه- يبذلون جهدهم فى الاستعانة باللغة للحصول على تأويلات للنص القرآنى تخدم هذه الغاية، فلما لم يرضهم حمل لفظة الخليل على ظاهرها فى الآية «وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا» (النساء: ١٢٥) استشهدوا ببيت من الشعر القديم لزهير وهو:
وإن أتاه خليل يوم مسألة ... يقول لا غائب مالى ولا حرم
(ديوان زهير نشر دار الكتب ص ١٥٣) وفيه خليل بمعنى محتاج، وقد أورد القشيري هذا الرأى ضمن تفسيره للآية ١٢٤ النساء، أي أنه لا يعارض أن تحتمل اللفظة هذا المعنى.
ويفسر دكتور عبد الرحمن بدوي قول أبى طالب المكي (إن رابعة قد ارتفعت إلى وصف معنى الخلة) بما يلى: (على أن مقام الخلة هذا يمكن أن يفسر على أساس أنه شعور بتجاوز الخير والشر، ذلك أن القيم الأخلاقية لا اعتبار لها إلا بالنسبة إلى بنى الإنسان والدنيا. أما- رابعة ورباح- فقد تجاوزا نطاق البشرية وصارا يلوذان بجوار الألوهية واطرحا الناسوت وشاع فيهما اللاهوت» .
شهيد العشق الإلهي ص ٦٣، ٦٤

<<  <  ج: ص:  >  >>